خطبة عن شكر النعم

  • تاريخ البدء

املي بالله

نائبة المدير العام
شكر النعم
الحمد لله يطعم ولا يُطعم منّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه .
الحمد لله أطعم الطعام وسقى الشراب وكسى من العري وهدى من الضلالة وبصر من العمى وفضلنا على كثير من ممن خلق تفضيلا.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أسبغ علينا النعم ودفع عنا النقم ورفع عنا البلاء والمحن .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأمة مكاناً وأكثرهم شكراً وأعلاهم عند الله سلطانا، صلوات الله عليه وعلى الآل والأصحاب أكرم خلق الله بعد الأنبياء فضلاً وأسماهم شرفاً وأقواهم علماً وأفضلهم تقى ، صلوات الله وسلامه عليهم صلاة وسلاماً دائماً سرمداً أبداً
عبد اللّه :
وجودك نعمة وحياتك نعمة وشبابك نعمة والداك نعمة وإخوانك نعمة وأعمامك نعمة
" قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى "
عيناك نعمة ورجلاك نعمة وقوتك نعمة وصحتك نعمة ، واستنشاق الهواء نعمة ، مالك نعمة ، سكنك نعمة ، زوجك نعمة ، ولدك نعمة ، مركبك نعمة ، سكنك نعمة ، زوجك نعمة ، ولدك نعمة خلوك من كبار الهموم نعمة ، حياتك بلا دين نعمة ، اقتصادك في الحياة نعمة مجانبتك للظلم نعمة ، يعرف ذلك من فقد هذه النعم وبحث عنها فعجز عن تحصيلها " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " وأعلى من تلك النعم وأجل نعمة الأمن في الحياة والأوطان وأعلى من ذلك كله نعمة الإسلام و الإيمان " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه "
" أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة و قيل للظالمين ذوقوا ماكنتم تكسبون "
عن الحسن قال سمع نبي الله رجلاً يقول : الحمد لله بالإسلام
قال : " إنك لتحمد الله على نعمة عظيمة "
وفوق ذلك وأرقى من ذلك نعمة تعظيم الله .
نعم تعظيم الله وشعائر الله وحدود الله لها لذة في الصدور وحب في القلوب وسعادة تنساب على الجوارح .
فوالله ثم والله إن بنا من النعم مالا يعلمه إلا الله
" وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار "
ولكن لنعلم أن كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية بل محنة ورزية ؟ إذن أنما تطعمون لنعمة وأي نعمة
أخي الكريم :
هل فقدت الماء فظمئت فيسره ربك بارداً فشربت ، كيف وجدت تلك النعم ؟ إن الطعام الذي تأكلون والماء الذي تشربون لنعم عظمى لو تتأملون
هل ترغبون أن تفقد يوماً ما ؟!!
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
لا يغير عافية أو نعمة إلا بظلم بعضهم بعضا أو اعتداء بعضهم على بعض فيا من لا يأبهون بالنعم يا من لا يحفظون النعم يا من لا يشكرون النعم
إن من غير نعمة الله غير الله نعمته عليه .
" لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين و شمال "
قال قتادة رضي الله عنه : كانت جنتين بين جبلين فكانت المرأة تخرج مكتلها على رأسها فتمشي بين الجبلين فيمتلئ مكتلها وما مست بيدها ، فلما طغوا بعث الله عليهم دابة يقال لها جرذ ( الفأر ) فنقبت عليهم فغرّقتهم فما بقي لهم إلا أثلُ وشيء من سدرٍ قليل
لقد كانوا في نعمة من الله كبيرة وخيرات من الله وفيرة ولكن كفران النعم سبب لمحق البركات وحلول النقم وحصول الأزمات .
ذكر الطبراني في تفسيره أن ابن زيد قال : لم يكن في قريتهم بعوضة قط ولا ذباب ولا برغوثُ ولا عقرب ولا حيةٌ وإن كان الركب ليأتون وفي ثيابهم القمل والدواب فماهم إلا أن ينظروا إلى بيتهم فتموت الدواب ، وإن الإنسان ليدخل الجنتين فيمسك القفة على رأسه فيخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القفة من أنواع الفاكهة ولم يتناول منها شيئاً بيده ، والسد يسقيها
الشكر يفتح أبواب مغلقة لله فيها على من رامه نعم
فبادر الشكر واستغلق وثائقه واستدفع الله ما تجري به النقم
ألا وتأملوا معي عباد الله : فإن ربكم أمركم بالأكل من رزقه وأمركم بالشكر له على نعمه .
" كلوا من رزق ربكم واشكروا له "
إنهم أكلوا وأعرضوا ، أعرضوا فغيروا ومن غير ، غير الله عليه ومن بدل بدل الله عليه " وبدلناهم بجنتيهم ............"
لأن الإعراض والمعصية سبب لذهاب البركات ونقص الأرزاق وحلول الملمات
" فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم "
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يحذرنا ذلك ليقول : فيما روى أحمد وابن ماجة و ضعفه الألباني عن ثوبان :
" إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه "[1] وفي رواية "بخطيئة يعملها "
وعن مخلد ابن حين قال : " الشكر ترك المعاصي "
وعن الحسن رحمه الله : إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم تشكر قلبها عليهم عذاباً .
عباد الله ليس بيننا وبين ربنا نسب وحسب واعلموا أن النعم إذا فرت من قومٍ وولت عنهم قلّ أن تعود إليهم ، وتأملوا معي هذا المشهد مع رسول الله وعائشة رضي الله عنها ، روى ابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر عن عائشة رضي الله عنها قالت :
دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها ومسحها ثم أكلها وقال: " يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم ".
ولفظ ابن أبي الدنيا : يا عائشة أحسني جوار نعم الله تعالى فإنها قل ما نفرت من أهل البيت فكادت أن ترجع إليهم " إن هذا الحديث رسالة لنا وأعظم رسالة ونحن في بذخ وسرف رسالة لنا ونحن نمتهن النعم ولا نخشى النقم .
ألا وأكثروا من ذكر نعم الله عليكم أكثروا من ذكر نعم الله عيكم فإن ذكر النعمة شكر كما أنه يورث الحب لله قاله أبو سليمان الواسطي : ذكر النعمة يورث الحب لله "
اشكروا يزدكم ربكم فمن حرمان الزيادة حرمان الشكر روى عن من عطارد القرش عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرزق الله عبداً الشكر فيحرمه الزيادة لأن الله يقول :
" لئن شكرتم لأزيدنكم "
ومهما شكرت فلن توفي ربك حقه فنعم الله عليك أعظم من أن توفي شكرها بجهدك ، إلا أن اعترافك بها شكر لها .
قال سليمان التيمي :" إن الله أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم "
وشكرك لنعم الله سيكون بنعم الله .
وأورد ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر عن أبي الجلد قال : قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال : أي رب كيف لي أن أشكرك وإني لا أصل شكرك إلا بنعمتك قال فأتاه الوحي :
أن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني ؟ " قال : بلى يا رب قال : فإني أرضى بذلك منك"
وسئل أبو حازم ما شكر النعمة ؟ قال : إذا رأيت بهما خيراً اعلنته وإذا رأيت بهما شراً سترته
قال فما شكر الأذنين قال إذا سمعت بهما خيراً دعيته وإذا سمعت بهما شراً دفنته قال فما شكر اليدين قال : لا تأخذ بهما ما ليس لك ولا تمنع حقاً هو عليك ......إلخ كلامه رحمه الله
قال سفيان الثوري : كان يقال : ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة .
قال ابن أبي الدنيا : أنشدني محمود الوراق :
إذا كان شكري نعمةُ الله نعمةً علىّ له في مثلها يجب الشكرُ
فكيف وقوع الشكرِ إلا بفضله وإن طالت الأيامُ واتصل العمر
إذا مس بالسراء عم سرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه منةٌ تضيق بها الأوهام والبر والبحر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
" ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد"
الخطبة الثانية
وواقعنا اليوم مؤلم حقاً فبينما أسر لا تجد لقمة العيش يتتبع بعضهم فتات الخبز عند أبواب البيوتات لتأكل ما يسد الرمق نرى أسراً يغطون في بحر الإسراف وأمواج التبذير لا في المناسبات فحسب ولكن حتى في الخلوات .
أسر تنام على الأرض بلا أثاث وأخرى تقطن بيوت الشعر فقراً وأخرى تسكن الدور والقصور ، أين
شعورنا بحال إخواننا المحتاجين " إنما تنصرون بضعفائكم " رواه أبو نعيم
أفلا يراعي أصحاب المال والدثور تلك النعم ويحمدون رب النعم خشية ذهابها ثم حلول النقم
أسرة فقيرة مكونة من عشرة أفراد مصروفها بكفالة شهرية من فاعل خير مئتا ريال لا تجد غيره وأنا وأنت وهم كم نصرف في الأيام فضلاً عن الأشهر و الأعوام .
عباد الله إننا في خضم إسراف كبير وغفلة أكبر وتهاون لا ند له ولا مثيل
" يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا و اشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين "
ولعل قائل أن يقول وكيف أشكر الله :
يكون ذلك بالاعتراف بنعم الله عليك وفضله السائد إليك ولا يكن حالك كقول قارون
" إنما أوتيته على علم عندي " ، وقال داود : " يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قال الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني "
إيمانك به شكر ، صلاتك شكر ، وزكاتك شكر ، صومك وحجك لله شكر ، شعورك الدائم بفضائل الله عليك شكر ، حمدك لله شكر ، تحدثك بنعم الله عليك في غير مواطن ريبة شكر
" وأما بنعمة ربك فحدث " واقتصادك شكر ونبذك للتبذير والإسراف شكر وصدقتك على المحتاج شكر و حفاظك على ماتقول شكر على شكر ، قال محمد بن كعب : الشكر تقوى الله والعمل بطاعته ، وقال آخر : وأفضل الشكر الحمد .
ثم اعلم عبد الله أن شكرك لربك لا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، روى أن الشيخ ابن حبان وابن النجار من حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالنعم يوم القيامة وبالحسنات والسيئات فيقول الله لنعمة من نعمه خذي حقك من حسنات عبدي فلا تترك له حسنة إلا ذهبت بها "
سبحان الله نعمة واحدة فكيف بباقي النعم .
وإليك شكر فذ متميز إنه شكر الأنبياء فذا نوح عليه السلام سماه ربه عبداً شكوراً قال سعد بن مسعود الثقفي قال " إنما سمي نوح عليه السلام عبداً شكورا لأنه لم يلبس جديداً ولم يأكل طعاماً إلا حمد " .
ذاك شكر نبي وإليك شكر الصحب والآل .
قال الإمام أحمد حدثنا يسار عن خوص عن ثابت البناني قال : كان داود عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله وولده ونسائه فلم يكن ساعة من ليل أو نهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي فيها قال فعمهم تبارك وتعالى فقال : " اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور "
وكذا في سند ابن ابي شيبة
وأُثر عن داود قوله : إلهي لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر ما وفيت حق نعمة واحدة .
واسمعوا لإحدى الصالحات من أولئك الآل ، روى ابن ماجة عن جابر عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال : أم سليمان لسليمان : يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك العبد
فقيراً يوم القيامة .
عبد الله : إذا سمعت مثل هذا وذاك فهل أنت من الشاكرين حقاً وما مدى شكرك لله تأمل ذاك وتذكر نعم الله عليك .
وكان رسولنا خيرة في الشاكرين يقوم حتى تتفطر قدماه فيقول ألا أكون عبداً شكوراً عليه صلوات الله وسلامه .
واعلموا رحمكم الله أن عبادة الشكر عبادة مغفول عنها إلا عند القليل من الخلق يدل على ذلك ويبرهن عليه " وقليل من عبادي الشكور "
شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضى
وأحييت من ذكري وما كنت خاملاً ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
روى ابن عبد البر في بهجة المجالس عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله عز وجل له شكرها وما علم الله من عبده ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفر وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له "ونحوه في المستدرك وفيه " وما اشترى عبد ثوباً بدينار أونصف دينار فلبسه فحمد الله عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له
رواه الحاكم في المستدرك
اللهم ارزقنا شكر نعمك و اصرف عنا نقمك إنك سميع مجيب
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى