أبناؤنا .. زَرعٌ يَستحق الجُهد

عاشق مصر

من الاعضاء المؤسسين
أبناؤنا .. زَرعٌ يَستحق الجُهد


أ. معاذ محمد الجاهوش*

يقول الإمام الغزالي - رحمه الله - في الإحياء: "مما يحتاج إليه الطفل أشد الاحتياج: الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره، من حرد وغضبة ولجاج، وعجلة، وخفة، وهوى، وطيش، وحدة، وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له، فإن لم يتحرز منها غاية التحرز فضحته يوماً ما، ولذلك نجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قِبل التربية التي نشأوا عليها".

فسنوات العمر الأولى وما يقدم فيها من مثيرات، وما يزرع فيها من قيم ومثل هي الأساس الذي ينشأ عليه الطفل، وهي التي تشكل أفعاله وأقواله في كبره، فالطفل في هذه السنوات الأولى ليس له إرادة فيما يقدم له، بل هو كالإناء الفارغ يتقبل كل ما يوضع فيه، ومن هنا تقع المسؤولية على الوالدين أو من يقوم مقامهما، فهما مصدر المعلومات وهما نماذج القدوة أمام هذا الطفل، وهما بالنسبة له السلطة الموثوقة، القادرة على فعل أي شيء.
هذه المسؤولية تتطلب من الوالدين الاستعداد لها، والعمل على أدائها على أكمل وجه "فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".

وهذه بعض الأسس التي تجب على الوالدين لضمان نجاح العملية التربوية: -
أولاً: تفاهم تام بين الزوجين على مَنهج التربية المتبع:
التفاهم التام على منهج التربية المتبع في البيت أساس لا تقوم التربية إلا به، فعلى الزوجين أن يتفقا على أسس التربية التي يريدانها لأبنائهما، وأن يعرفا أهدافها وغاياتها، وكذلك وسائلها، ونقصد الخطوط العريضة والمبادئ العامة، ومن ثم يترك لكل طرف مساحة من الحرية بالتصرف بما لا يخرج عن هذه المبادئ والأسس.
وفي هذا يجب أن يتفق الوالدان على أن يكونا بنفس الدرجة من الشدة واللين حين التعامل مع أبنائهما، فلا يصح أن يكون أحد الطرفين شديداً صارماً، ويكون الآخر ليناً متهاوناً، أو أن يكون أحد الطرفين حريصاًً حرصاً شديداً، والآخر غير مبال، فكل ذلك يكون له آثار سلبية على شخصية الأبناء.
ومن ذلك أيضاً أن يتفقا على ما يريدانه من كل ابن من الأبناء وأن يعملا على تهيئته لذلك، مراعين الفروق الفردية بينهم.

ثانياً: تدرج في التربية والرعاية واحذر السويف:
التربية عملية مستمرة، وأهم مقوماتها أن تكون متدرجة متمهلة، لا تنطلق من ردود أفعال، ولا تأخذها فورة حماس آنية، ومن ذلك أن يتدرج الوالدان في تحميل الأبناء المسؤولية الأدنى فالأعلى، فلا يكلف الولد بالأعلى قبل أن يثبت نجاحه في الأدنى.
واحذر التسويف وتأجيل الأمور، فإنك بذلك تخسر الوقت، ويضيع عليك وقت العلاج فضلاً عن وقت الوقاية، لذا أعط كل أمر وقته، وافعله في أوانه.

ثالثاً: كن قدوة حسنة لأولادك في قولك وفعلك:
القدوة هي ذلك الطريق الخفي الذي يتبعه الطفل مقلداً فيه أفعال والديه وأقوالهما، وعلى الوالدين الانتباه الشديد، فهما محط أنظار الأبناء، وهما القدوة لهم في كل أفعالهم وأقوالهم، فإذا أرادا أن يغرسا الصدق فعليهما أن يكونا صادقين أولاً، وإذا أرادا أن يغرسا الأمانة فعليهما أن يكونا أمينين... وهكذا كل صفة خيرة.
إن الأبناء يزِنون أبناءهم وأمهاتهم بميزان فطري دقيق، وعلى الوالدين أن يحرصا على أن تكون أفعالهما وأقوالهما متوافقة مع ذلك الميزان.

رابعاً: كن قريباً من أبنائك:
كثير من الآباء والأمهات يتنكرون لطفولة أبنائهم ولا يتفهمون اهتماماتهم، وتراهم يتعاملون معهم بموقف رد الفعل الرافض لهذه الاهتمامات والتوجهات.
وهذا أمر خاطئ يسبب فجوة كبيرة مع الأبناء، تبقي الأبناء بعيداً عن سماع النصح أو الانقياد له، وقد تؤدي إلى تمرد الأبناء على الوالدين، وانحصار آثار الوالدين في حياة أبنائهم بتقديم المتطلبات المادية، دون القيام بأي دور تربوي أو تأثير سلوكي أو فكري.
ولقد روي بالأثر "من كان له صبي فليتصاب له"، ولقد ورد عن سيدنا عمر - رضي الله عنه - قوله: "ربوا أولادكم لزمان غير زمانكم".

خامساً: كن واقعياً ومنطقياً في أوامرك وتكليفاتك:
ليس النجاح هو القدرة على إلقاء سيل من الأوامر والتكليفات، بل النجاح هو: اختيار الوقت والشكل المناسبين لإلقاء الأمر أو التكليف.
على الوالدين معرفة خصائص كل مرحلة من مراحل النمو التي يمر أبناؤهم بها من كل النواحي الجسدية، والمعرفية، والنفسية، ثم مراعاة هذه الخصائص عند إلقاء الأوامر أو إصدار التكليفات حتى تأتي متلائمة مع قدرات أبنائهم ومستجيبة لمتطلباتهم وخصائصهم.
وإذا كان أكثر الآباء والأمهات لا يكلفون الأبناء جسدياً ما لا يقدرون عليه لأن الإرهاق الجسدي يظهر للعيان، إلا أن كثيراً من الآباء والأمهات يكلفون أبناءهم ما لا يقدرون عليه ولا يتلاءم معهم نفسياً، متناسين أو غافلين عن إمكاناتهم وقدراتهم في مراحلهم العمرية، ومع ذلك يلومونهم إذا لم يستجيبوا لهم.

سادساً: املأ فراغ أبنائك بما ينفع، وقدم البديل الناجح:
الفراغ مفسدة للإنسان، كبيراً كان أم صغيراً، وعلى الآباء العمل على ملء فراغ أبنائهم، وأن تكون لهم المبادرة الإيجابية لذلك، بتقديم البديل المناسب، وترغيبهم به، وذلك يتأتى بمعرفة ميولهم، وهواياتهم، وعلى البديل أن يكون مرناً، ممتعاً، يجمع بين الهدف العلمي أو التربوي وبين الترفيه المشروع، ويتبع ذلك أن يبين الوالدان للأبناء وجوه المنافع والمضار، والحلال والحرام في كل هواية أو عمل أو لعبة يريد الأبناء ممارستها.

سابعاً: اختر لهم الأصدقاء:
فعندما تختار لهم الصحبة الصالحة فإنك تقدم لهم خدمة قد تعجز أنت نفسك عن أدائها معهم، فالأقران لهم تأثير كبير على بعضهم البعض، والصاحب يدخل إلى قلب صاحبه، ويؤثر في ميوله واتجاهاته بغير أمر أو نهي، ولا عناء ولا كلفة، وقديماً قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
لذا، يجب على الآباء والأمهات أن يكون لهم رأي في أصدقاء أبنائهم، وأن يغرسوا في نفوسهم منذ الصغر ألا يصاحبوا إلا أرفع الأولاد خلقاً وأحسنهم سلوكاً.

ثامناً: أكثر من الدعاء لأبنائك بالخير والهداية:
إن بذل الأسباب والوسائل السابقة وغيرها، يجب ألا ينسينا أن الهداية بيد الله - سبحانه وتعالى- أولاً وأخيراً، وأنها منحة إلهية لا تدرك حكمتها، ولا تدخل تحت شيء من جهد العبد وحيلته: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (القصص:56).
فالدعاء بصدق وإخلاص وتجرد لله - تعالى - سلاح قاطع، ودواء مجرب، نتعلمه من هدي رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وسيرته العطرة، ومن فعل أصحابه من بعده رضوان الله عليهم أجمعين.

 
طرح رااائع
عاشق مصر
شكراً لك
domain-18b1475dad.gif
 
الوسوم
أبنائنا الجُهد زَرعٌ يَستحق
عودة
أعلى