وبالعودة للتاريخ والفتاوى الشرعية، تبيِّن حدوث حالات مشابهة، آخرها حدث قبل حوالي 30 عاماً، عندما أعلن عن يوم العيد في وقت متأخر من ليلة 29 رمضان، وطلب من عموم المواطنين قضاء يوم.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- كان قد بعث خطاباً عندما كان رئيساً عاماً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، لسماحة شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق قال فيه: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد بلغني بالنشرة المرفقة تصريح سماحتكم لصحيفة الأخبار المتضمن إنكار صيام رمضان 28 يوماً ثم قضاء اليوم الأول من رمضان باعتبار وقوع خطأ في تحديده... إلخ.
وأخبر سماحتكم أنني استغربت ما تضمنه هذا التصريح؛ لما أعلمه عن فضيلتكم من العلم والفضل، وأن مثل هذا الحدث لا يخفى عليكم، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً. ومتى ثبت دخول الشهر بالبينة الشرعية بعد صيام المسلمين ثمانية وعشرين يوماً، فإنه يتعين أن يكونوا أفطروا اليوم الأول من رمضان فعليهم قضاؤه؛ لأنه لا يمكن أن يكون الشهر ثمانية وعشرين يوماً وإنما الشهر تسعة وعشرون يوماً أو ثلاثون.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء (25) من فتاواه ص 154- 155 أن هذا حدث في زمن علي رضي الله عنه صاموا ثمانية وعشرين يوماً، وأمرهم علي بصيام اليوم الذي نقصهم وإتمام الشهر تسعة وعشرين يوماً.
فآمل التنويه على الصحيفة بالصواب، إذا كان قد صدر من فضيلتكم لها خلافه ولا يخفى أن فضيلتكم محل الثقة والاعتبار، وسيأخذ بفتواكم من لا يحصيه إلا الله ويعتمدون عليها.
ولوجوب التناصح بيننا والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى رأيت الكتابة إلى فضيلتكم في ذلك. والله المسؤول أن يوفقنا جميعاً لإصابة الحق في القول والعمل، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين إنه جواد كريم. أثابكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
وكانت المحكمة العليا قد دعت إلى تحري رؤية هلال شهر شوال لهذا العام 1434هـ، مساء يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء 29- 30 رمضان 1434هـ، مشيرة إلى أنه لو لم يُرَ فيجب تحريه مساء يوم الأربعاء 30 رمضان 1434هـ ليلة الخميس 1 شوال 1434هـ حسب تقويم أم القرى، الموافقين 6 و 7 أغسطس 2013م، ويبلغ من يراه بالعين المجردة أو بواسطة المناظير أقرب محكمة.
يطل علينا رمضان من كل عام وغالبا ما يتبع المسلمين دار الافتاء السعودية التي بدورها تعلن نهاية شهر شعبان عن موعد صيام شهر رمضان ولكن قد تخطيء التقدير احيانا وتضطر الى دفع فدية عن كل مسلمين العالم مقابل الخطأ وبطبيعة البشر "الخطأ وارد" .
برغم التطور التكنولوجي الحديث وسهولة الحصول على احدث الوسائل التي تستطيع من خلالها رؤية ما يخفى على اعين البشر الا أن التقدير في الاعلان عن شهر الصيام يشوبه الغموض في بعض السنين .
بعض الناس يرجعون ذلك لخلافات سياسية والبعض الآخر يرجعه لهيمنة وسيطرة السعودية باعتبارها مهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في كل مكان من انحاء المعمورة وآخرون يشيرون الى أنه خطأ انساني و "جل من لا يخطيء" .
الصيام و معناه كما ورد في كتاب الله "عز وجل"
{ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (184) سورة البقرة
فضل الصيام كما ورد في "السنة النبوية"
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : قال الله عز و جل (( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى و أنا أجزى به , و الصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمة أحد او قاتلة أحد فليقل إنى صائم , مرتين , و الذى نفسى بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك , و للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطرة , و إذا لقى ربه فرح بصومه )) ::: رواة أحمد و مسلم و النسائى ::: , و عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما ان النبى صلى الله عليه و سلم قال (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة , يقول الصيام : أى رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعنى فية و يقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعنى فية فيشفعان )) , و عن أبى امامة رضى الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : مُرنى بعمل يدخلنى الجنة , فقال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له )) ::: رواة أحمد و النسائى و الحاكم و صححه ::: , و عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : ان النبى صلى الله عليه و سلم قال (( لا يصوم عبد يوماً فى سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفاً )) ::: رواة الجماعة إلا أبا داوود ::: , و عن سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال (( إن للجنه باباً يقال له الريان , يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخل آخرهم أُغلق ذلك الباب )) ::: رواة البخارى و مسلم.
الجدل القائم حول حديث سلمان وفضل الصيام
حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ثم قال: حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: (خطبنا رسول الله r في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء» قالوا: ليس كلنا نجد مايفطر الصائم، فقال: «يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لاغنى بكم عنهما؛ فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لاإله إلا الله وتستغفرونه وأما اللتان لاغنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة لايظمأ حتى يدخل الجنة»(1) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه، وفي سنده أيضا يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث، وفيه أيضا همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب ثقة ربما وهم وعلى هذا فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب لكنه ضعيف ومع ذلك ففضائل شهر رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة.
كيف تتم رؤية هلال رمضان في المملكة العربية السعودية
نظراً لما يترتب على معرفة أول يوم من شهر شعبان من أهمية بالنسبة لشهر رمضان المبارك فإن وزارة العدل تقوم في شهر رجب من كل عام بالتعميم على المحاكم بأن على القضاة أن يؤكدوا على الناس تحرّي رؤية هلال شهر شعبان، وفي أواخر شهر شعبان تجتمع الهيئة القضائية العليا بوزارة العدل للاطلاع على ماورد من القضاة من شهادات برؤية هلال شهر شعبان، وبعد دراسة ذلك تصدر الهيئة القضائية قراراً بما ثبت لديها شرعاً عن أول يوم من شهر شعبان، وبناء على ذلك تعين الليلة التي يجري فيها تحري رؤية هلال رمضان من أيام الأسبوع، وهي ليلة الثلاثين من شعبان، ومن ثم يتم التعميم على القضاة بذلك، وفي ليلة الثلاثين من شعبان يكون القضاة على أهبة الاستعداد لاستقبال من يحضر إليهم شاهداً برؤية هلال رمضان، وبعد ضبط شهادته والتثبت من عدالته ومناقشته في شهادته كيف رأى الهلال وفي أي مكان رآه وكم من الزمن بينه وبين الشمس إلى غير ذلك من الأسئلة التي يقصد منها التحقق عن صحة إمكان رؤيته، بعد ذلك يبرق القاضي بشهادة الرؤية إلى وزارة العدل، وفي نفس الليلة تكون الهيئة القضائية منعقدة في مقر وزارة العدل للاطلاع على ماقد يرد من القضاة حوله، وعندما يثبت لدى الهيئة دخول الشهر تعد قراراً بذلك تثبت بموجبه دخول شهر رمضان المبارك، وبعد اعتماد ذلك القرار من المقام السامي يتم التعميم على القضاة وإبلاغه للمواطنين بواسطة الإذاعة والصحافة والتلفزيون، ويكفي في ثبوت رؤية هلال رمضان أن يشهد بدخوله مسلم عدل لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله r أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه)(2) رواه أبو داود والدار قطني،
حكم نقل الخبر بوسائل الاعلام
وأما بالنسبة لخبر المذياع أو البرقيات بثبوت الهلال دخولاً أو خروجاً فنظراً إلى أنهما منسوبان إلى الدولة ولايمكن أن يجرأ أحد أن يختلق خبراً بذلك أو يغيره بزيادة أو نقص مؤثرة لاسيما وقد جرت العادة من المسئولين عنهما منذ كان استخدامها كوسيلة إعلام بتحرّي الدقة التامة في النقل فلا يظهر مانع يحول دون قبول خبرهما، وإن لم يكن متولي النقل معروفا معرفة تزكية..
وأمّا التلفون فيحتاج إلى مزيد تحقيق وتأكد عن شخص ناقل الخبر ، وحاله من حيث العدالة والتحري في نقل الأخبار؛ لأن التلفون ليس شأنه كشأن الإذاعة أو اللاسلكي؛ لكون استخدامه عامَّاً.
اختلاف وسائل تحديد بداية شوال
بعض الدول الإسلامية تعتمد في بعض الحالات نقطة المحاق لتحديد بداية شهر شوال كما هو الحال في ليبيا حيث أعلنت ليبيا مساء يوم 22 أكتوبر 2006 أن عيد الفطر (أول أيام شوال) هو يوم الإثنين 23 أكتوبر، مع استحالة الرؤية البصرية اعتمادا على وصول القمر لنقطة المحاق، مع تجاهل إمكانية الرؤية البصرية من عدمها (إلا أنهم أعلنوا صراحة عن عدم إمكانية الرؤية البصرية مساء يوم الأحد)، وأرجعوا سبب تحديدهم ليوم غزة شول إلى اعتمادهم على إحدى نظريات الحساب الفلكي، حيث هناك اتجاه من علماء المسلمين يرون باعتماد الحساب الفلكي استنادًا إلى رؤية فقهية لنصوص الكتاب والسنة، ولاعتقادهم بعدم تعارض الكتاب والسنة مع التطور العلمي. وبخسب نظرية حساب فلكي أخرى فإنه لا يمكن رؤية القمر إلا بعد انتظار فترة زمنية معينة، يقطع خلالها القمر مسافة ضمن مداره، مما يتيح للهلال بالنمو، بحيث يمكن رؤيته. هذه الفترة الزمنية يقدرها البعض بمدة تتراوح بين ثمان إلى عشر ساعات وذلك في ظروف جوية مناسبة، حيث لا تكون السماء ملبدة بالغيوم.
تعددت الاسباب في الخطأ
كما الخطأ في رؤية هلال شوال أصبح شائعا جدا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرون، وترجع الاختلافات إلى عدة أسباب، منها عدم فهم الظواهر الطبيعية، ففي عام 2004 قامت سبع دول عربية بإعلان رؤية الهلال قبل يوم واحد من الموعد الممكن علميا، من ضمنها جميع دول الخليج العربي باستثناء عُمان، حيث تم اعتبار السبت 13 نوفمبر 2004 أول يوم شوال.
فسر الإستاذ الدكتور وهيب الناصر، أستاذ
الفيزياء بجامعة البحرين ونائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية، هذا الخطأ برؤية الأفراد لسراب قطبي. مع تأكيده على استحالة الرؤية الفعلية للهلال. نفس الخطأ نبه إليه الدكتور صالح العجيري، والذي يعتبره الكثير عميدا للفلكيين الكويتيين.
كما قام للاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، بالإعلان عن استحالة رؤية هلال شوال عند مغيب شمس يوم الجمعة (12/11) وأوضح خبراء الإتحاد ذلك في بيان تم إصداره في منتصف رمضان.
بالمقابل ورغم عدم قدرة المراصد في الخليج على رؤية الهلال، إلا أنه تم اعتماد رؤية ما أطلق عليهم الشوّيفة والذين يفترض ان لهم نظرا أقوى من العادة.
في عام 2005 تكرر نفس الأمر ولكن بحدة اختلاف أقل حيث أعلنت ليبيا عن حلول أول يوم من شوال في يوم الأربعاء الموافق 2 نوفمبر 2005