الاكتئــــــــاب عند الأطفـــــــــــال
ما مدى انتشار هذا الاضطراب؟
يزداد انتشار الاكتئاب في الأطفال بزيادة السن ومن النادر أن تجد حالات من الاضطرابات المزاجية بصفة عامة والاكتئاب بصفة خاصة في سن ما قبل
المدرسة، يقدر معدل وجود حالات الاكتئاب في الأطفال إلى ما يقرب من 3. % بشكل عام وترتفع هذه النسبة بين الذين يترددون على العيادات النفسية، وترتفع هذه النسبة قليلاً لتصل إلى 1% بين الأكبر سنًا من هم على أعتاب مرحلة المراهقة.
ينتشر الاكتئاب في الأولاد بنفس المعدل في البنات، وبين المراهقين يزداد الانتشار ليصل إلى 6% وتزداد النسبة في البنات لتصل ضعف نسبة البنين إلى 1:2 وبعض الدراسات ذكرت أنه قد تصل النسبة في المراهقين الأكبر سنًا حتى تصل 14 – 25%.
حالات عسر المزاج: بشكل عام فإن حالات عسر المزاج أقل انتشارًا بين تلك الفئات العمرية من حالات الاكتئاب فتمثل فقط 5 حالات بين كل مائة ألف طفل مقارنة بحالات الاكتئاب التي تصل إلى 1% لكن بعض الحالات قد تتدهور في خلال عام من بدايتها لتصبح حالة اكتئاب ومع تقدم السن ومع بلوغ الطفل مرحلة المراهقة تزداد نسبة عسر المزاج بين المراهقين لتصل إلى 5 حالات بين كل ألف حالة.
أسباب إصابة الأطفال بالإكتئاب:
هناك العديد من الأدلة التي تثبت أن أسباب اضطرابات المزاج في الأطفال تشبه إلى حد كبير تلك التي تحدث في البالغين وسنتناول سويًا بعض القرائن التي تشير إلى أسباب حدوث الاكتئاب:
أ.الدراسات الجينية:
أثبتت الدراسات أن هناك جينين (2 جين) تم التعرف عليهما عند إعتلالهما كمؤشر لإحتمال الإصابة بنوبات الاكتئاب:
الجين الأول هو جين "ماو MAO gene " وهو المسئول عن تنظيم عمل إنزيم المونو آمين أوكسيديز.
الجين الثاني هو الجين المسئول عن نقل السيروتونين ودوره مهم في عملية تصنيع مادة السيروتونين بالدماغ.
قام فريق من الأطباء النفسيين بإجراء دراسة طويلة المدى كان هدفها توضيح العلاقة بين الضغوط والمؤثرات البيئية وبين حدوث الاكتئاب في الأطفال وكانت الفئة المستهدفة من الأطفال ممن يعانون من إعتلال في الكروموسومات الحاملة للجينات المكونة لها فوجد أن هذه الكروموسومات أقل نشاطًا في تكوين الأحماض الأمينية اللازمة لتصنيع مادة السيروتونين في خلايا الطفل المصاب.. بينت الدراسة أن هناك ارتباط وثيق بين الأمرين؛ أى لابد من وجود استعداد جيني حتى يتأثر الشخص بضغوط ومؤثرات الحياة ومع اجتماع الأمرين غالبًا ما يظهر الاكتئاب وهذا ما يفسر إصابة بعض الأفراد وخلو غيرهم ممن تعرضوا لنفس الضغوط والأزمات.
ب.العوامل الوراثية:
اضطرابات المزاج عامة والاكتئاب خاصة من الاضطرابات التي تتأثر كثيرًا بالعامل الوراثي فتنتشر بين أسر معينة عن غيرها.. حيث وجد أن احتمال إصابة الطفل بالاكتئاب منتشر بشكل عام بين الأطفال الذين يتوفر لديهم تاريخ مرضي لنوبات اضطرابات في المزاج بين والديهم أو أحد الأقارب.
كما أوضحت تلك الدراسة أن احتمالية إصابة طفل بالاكتئاب يعاني أحد والديه بالاكتئاب ترتفع إلى ضعف الاحتمال بين الأطفال العاديين كما يزيد هذا الإحتمال إلى أربعة اضعاف إذا كان كلا الوالدين مصاب بالإكتئاب قبل سن 18 سنة وكلما زادت أو تكررت عدد النوبات عند الوالدين كلما زادت احتمالية إصابة أبناءهم.
ج.العوامل الحيوية والبيولوجية:
يعاني الأطفال والمراهقين المصابين بالاكتئاب بالعديد من التغييرات والاضطرابات الحيوية مثل زيادة إفراز هرمون النمو أثناء النوم عن غيرهم من الأطفال الذين لا يعانون من اضطرابات مزاجية.. كما لوحظ أن هؤلاء الأطفال يقل إفرازهم لهرمون النمو عندما يقل السكر بالدم عند حقن مادة الأنسولين وتكون نسبة إنخفاض إفراز هرمون النمو بشكل ملحوظ عن غيرهم من الأطفال ممن لا يعانون من أى اضطرابات مزاجية، ووجد أن كلا الإضطرابين السابقين يستمران في الأطفال المصابين بالاكتئاب لمدة لا تقل عن 4 أشهر كما أشارت العديد من الدراسات أنه قد يختل إفراز مادة الكورتيزول فيؤدي إلى زيادتها وقد يتأثر ولكن بشكل محدود.
دراسات أشعة الرنين المغناطيسي MRI:
بعد إجراء أشعة الرنين المغناطيسي لحوالي مائة طفل يعانون من اضطرابات في المزاج وجد أن هناك صغر في حجم الفص الجبهي للمخ كما وجد إتساع في بطين الدماغ وهذا لا يختلف عما وجد في آشعة الرنين المغناطيسي التي أجريت على البالغين ممن يعانون من الإكتئاب، كما بينت الدراسات التشريحية أن هناك ضمور في بعض خلايا الفص الجبهي للمخ ومن بينها خلايا مسئولة عن تنظيم السيروتونين ويكون لإصابة الفص الجبهي دور واضح في تمثيل الأعراض التي يعاني منها المريض.
دور الهرمونات:
وُجِد في الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب انخفاض مستوى مادة السيروكسين الكلي الحر FT4 وهذا على الرغم من أن عدم تأثير أو إعتلال مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية TSH لذا من المحتمل أن يكون انخفاض مستوى الغدة الدرقية سببًا في ظهور أعراض الاكتئاب وهذا مما وجه التفكير لإمكانية استخدام هرمون الغدة الدرقية كمحفز لعمل مضادات الاكتئاب في البالغين.
د.العوامل الاجتماعية:
بينت الدراسات التي تمت على التوائم أحادية البويضة أو ما تسمى التوائم المتطابقة التي تتفق 100% في شكل الجينات ان الإصابة بالاكتئاب لم تكن بنسبة 100% بين التوائم أى أنه عندما يصاب أحد التوائم بالاكتئاب فليس قطعًا أن يصاب التوأم الثاني بالاكتئاب لكن فقط تزداد احتمالية الإصابة لكن هذه الاحتمالية لم تبلغ 100%، إذن هناك عوامل أخرى غير الجينات مسئولة عن حدوث المرض.. وهو ما وضحته الدراسة للعامل الاجتماعي.
وكما ذكرنا سابقًا لابد من توفر العاملين معًا (الاستعداد الجيني+ التعرض للظروف الاجتماعية والضغوط) مثل الاضطرابات الأسرية أو تعرض الطفل للإساءة أو الإهمال كما يؤثر مستوى الأسرة الاجتماعي والمادي على الطفل أو إنفصال الوالدين والطلاق وغيرها..
كل هذا ربما يكون له دور في ظهور أعراض الاكتئاب، ومما أثبتته الدراسات أيضًا أن الأولاد الذين يتوفى آباؤهم قبل بلوغهم سن 13 عام يكونون أكثر عرضة عن غيرهم للإصابة بالاكتئاب، وكما تؤثر العوامل الاجتماعية على الطفل مؤدية إلى إصابته بالاكتئاب فنلاحظ أن إصابته بالاكتئاب تؤثر هي الأخرى على شكل حياته الاجتماعية وعلاقاته الاجتماعية وآدائه الدراسي وغيرها من جوانب حياته.