بــ الحب (39) والواقع ــين
::هناك::
كادت الممرضة ان تتحرك من مكانها لتعطيه الماء لكنها سمعت صوت ممرضة اخرى وهي تقول مجيبة عن سؤاله: بالتأكيد...
التفت لها بكل لهفة ملأت قلبه.. التفت لها وهو مدركانه لن يستطيع ابدا اخطاء هذا الصوت الذي سمعته اذناه.. وانه يستطيع تمييزه من بين مئات الاصوات..وتطلع اليها وكله شوق ليرى ملامح ذلك الوجه الجميل..
وتعلقت عيناه بابتسامتها القلقة عليه..وبنظراتها المشتاقة له.. وبملامحها الفاتنة.. وتمنى من كل قلبه ان تقترب منه ليتمكن من قول كل ما يجيش في صدره ويطفئ لهيب هذا الشوق الذي احرقه..
وقطع تلك اللحظة صوت الممرضة الاولى وهي تقول بابتسامة: سأخبر الطبيب انك قد افقت..
وابتعدت عنهم لتترك لهم المجال مفتوحا ليفتح كل منهم قلبه للآخر وليعبر عن شوقه ولهفته وحبه للآخر..
وسوزي التي كانت تحاول السيطرة على مشاعرها.. ابتعدت لجهة بالغرفة وملأت له كأسا من الماء دون ان تنتبه للماء الذي سال على يديها وبلل اكمام معطفها.. واقتربت منه وهي تحاول ان تسيطر على رجفة يدها التي تمسك بالكأس ..
وما ان توقفت امامه حتى مدت له يدها بالكأس وهي تقول بصوت مشتاق ومتلهف له: تفضل..اشرب الماء..
لم يأخذ الكأس من يدها.. بل ابتسم وهو يتطلع الى ملامح وجهها الفاتنة ومن ثم مد يده وامسك بيدها مع الكأس الممسكة به.. وقرب الكوب من شفتيه وهو يشرب الماء وعيناه معلقتان بسوزي..
اما هي فقد خفق قلبها بخفقات متسارعة.. وامتدت يدها الاخرى لتمسح على شعره وتقول بصوت هامس: اشتقت اليك يا مارك..
مارك الذي شعر بأن الروح قد عادت اليه بمرأى سوزي .. قال وهو يبعد الكأس عن شفتيه ويتطلع اليها بكل حب: احبك..
ابتسمت سوزي له بحب وحنان وعيناها تنطقان بأعذب كلمات الحب.. وابعدت يدها عن يده لتضع الكأس على طاولة مجاورة ومن ثم تقول وهي تتطلع الى عينيه: كنت اعد الثواني لألتقي بك من جديد.. لا تعلم كم هوصعب علي فراقك..
قال مارك وهو يتنهد: انا كذلك كنت امر بأصعب لحظات يمكن ان اعيشها وانا اتخيلك معي في كل مكان..صوتك وضحكاتك لم تفارق اذناي.. وعيناي لم تكن تبحث الا عن طيفك في كل مكان.. لا اتخيل ان افقدك من جديد يا سوزي..
ابتسمت له سوزي.. وكاد مارك ان يواصل التعبير عن حبه ولهفته وشوقه لسوزي.. لكنه تذكر المهمة التي جاء من اجلها وقال وحاجباه انعقدا فجأة وطغت على ملامحه الجدية: سوزي .. انا هنا شاب بريطاني ومن جنسية بريطانية..لا اعرفك ولا اعرف اي احد هنا.. جئت الى هذه البلاد للسياحة وليست لي اي علاقة بأي شخص من هذه البلاد.. هل فهمت ما اعنيه؟..
اتسعت عينا سوزي لوهلة .. قبل ان تستوعب تدريجيا ما قاله مارك .. ومن ثم قالت وهي تشهق وكفها على شفتيها: لا تقل انك هنا من اجل.. من اجل...
اومأ برأسه ايجابيا دون ان يكمل ما قالته .. فقال بهدوء: ما افعله هو من اجل الجميع.. لأجل الابرياء الذين يُقتلون.. ومن اجل شقيقي.. ومن اجل تحرير الوطن..
عضت سوزي على شفتيها وقالت بصوت مخنوق: لم اتخيل انك هنا لهذا السبب.. انت تبعدنا عن بعضنا من جديد..
قال مارك في سرعة وهو يتطلع اليه بنظرات حزينة: لن يكون لك اي دخل بالموضوع.. ولن يصيبك اي مكروه ثقي بهذا.. مهمتي ان اكسب ثقتهم واحاول ان اكون منهم..
اشاحت بوجهها بعيدا وهي تحاول السيطرة على انفعالها قبل ان تقول بصوت مرتجف: هل تدرك..خطورة قول مثل هذا الكلام.. لمجندة في الجيش البريطاني؟؟...
ابتسم مارك لها بحنان..وامتدت كفه ليمسك بذقنها ويدير وجهها اليه ويقول بصوت حاني مليء بالمشاعر: انت تعرفين حقيقتي.. وتعرفين من اكون.. وكل ما افعله منذ البداية لحماية سكان هذه البلاد.. انا اثق بك..واعلم ان الامر سيظل مدفونا في قلبك.. وحتى وان اخترت وطنك وقررت اخبارهم بحقيقتي فأنا لن اعترض على ذلك.. فأنت هنا جندية في هذا الجيش قبل كل شيء..
تطلعت اليه بعينان مغرورقتان بالدموع ومن ثم صاحت به: لماذا تحب ان تعذبني هكذا؟؟.. تضعني في اصعب الخيارات حتى اتألم.. تعرف اني لا استطيع الاختيار بين وطني وبينك.. انت من يعشقه قلبي.. وهم ابناء وطني.. كيف لي ان اختار؟.. اخبرني كيف؟..
قال مارك وهو يحاول ان يضفي على صوته بعض الهدوء: سوزي.. انت تعلمين منذ البداية اي شخص اكون.. وانني ابدا لن اكون تابعا لجيش ظالم.. وحتى ولو لم اخبرك الآن كنت ستعلمين بهذه المعلومات لاحقا.. انا لن اطالبك بالصمت.. لكن اطلب منك ان تثقي بي كما وثقت بك.. نحن نريد تحرير بلادنا.. وانت تريدين السلامة لابناء بلادك..ولا ترغبين بخيانة وطنك.. ولهذا عليك ان تفكري جيدا.. انا هنا مجرد وسيلة لمعرفة خطط الجيش ومحاولة تفاديها ومنع قتل اهالي البلاد.. لهذا لا تظني ابدا انني سأقبل ان يُقتل الجنود غدرا.. فلست مثلهم..
تطلعت اليه بنظرات طويلة قبل ان تقول وهي تلتقط نفسا عميقا: لا يمكنني ان اتسبب في اذيتك وانت تدرك ذلك يا مارك.. لذلك عدني.. عدني ان لا تقتل احدا من الجنود.. فلا تنسى انهم في النهاية ابناء وطنك..
ربت على وجنتها وقال بنظرات متوترة: اعدك ان احاول ان لا اتورط بأي امر يتعلق بقتل الجنود..
ومن ثم اردف بمرح وهو يحاول ان يبدد الحزن الذي ساد على المكان: الآن حياتي اصبحت بين يديك.. فيمكنك ان تبلغي عني لتقتليني متى شئت..
ابتسمت له بشحوب قبل ان تقول: الآن جاء دوري لأحذرك.. لا تتكلم في هذا الموضوع معي مرة اخرى حتى وان كنا لوحدنا.. فهذا المبنى ليس مكان آمن للتحدث ابدا..
مال مارك نحوها وقال بهدوء: وهل يمكنك مساعدتي ومنحي هاتفك المحمول لاتحدث الى شقيقي واطمئنه على نفسي؟..
قالت سوزي وهي تعقد حاجبيها: ليس الآن.. سأجعلك تتحدث اليه في الوقت المناسب..
ابتسم مارك لها وقال بامتنان: شكرا لك..
صمتت سوزي وهي تحاول تقليب الامر في رأسها عدة مرات.. مارك تسلل الى هنا بخطة من فرقة المقاومة بكل تأكيد..وفي عقله هدف واحد.. ايصال معلومات عن الجيش لفرقة المقاومة.. ربما ليتفادوا الهجمات التي يشنها الجيش عليهم..وربما ليحاولوا الرد عليهم ويوجهوا هجمات للجيش بدورهم..
لم تعد تعرف ما الذي يتوجب عليها فعله.. قلبها متعلق بمارك .. وعقلها يهتف بالواجب نحو الوطن.. ومع هذا لا يمكن لها ان تسلمهم مارك على طبق من ذهب.. لقد وثق بها واخبرها بما ينوي فعله.. وطلب منها ان تساعده ايضا..وكأنها تستطيع ان تحتمل كل تلك الضغوط عليها وكل ....
انقطعت افكارها على صوت باب الغرفة التي فتحته الممرضة وهي تقول بابتسامة: الطبيب لديه عدد من الحالات ليقوم بفحصها.. بعد ان ينهيها سيأتي الى هنا على الفور..
ابتسم لها مارك وقال: شكرا لك..
امسكت الممرضة بمعصمه لتقيس له النبض ومن ثم ضغط الدم والسكر.. قبل ان تقول: انت بصحة جيدة.. لكن هناك عدد من الرضوض المنتشرة بجسدك.. وستتعافى منها مع الوقت..
سوزي التي امسكت بكف مارك واخرجت منها الابرة الطبية المتصلة بالمحلول بخفة..قالت: احضري له بعض الطعام.. فهو بحاجة له الآن..
قالت الممرضة وهي تتطلع الى سوزي باستغراب: ولم لا تذهبين بنفسك لاحضار الطعام؟..
مطت سوزي شفتيها ومن ثم قالت ببرود: لان لدي عدد من الحالات لافحصها بعد ان اغادر غرفة هذا المريض.. هل فهمت الآن؟..
هزت الممرضة كتفيها وقالت مبتسمة: لا بأس.. فمن لا يحب خدمة شاب وسيم مثله؟..
ابتسم مارك وهو يتطلع الى ملامح سوزي التي شعرت لوهلة بالغضب من حديث تلك الممرضة.. وما ان غادرت الاخيرة حتى التفتت له سوزي وقالت: هل اعجبك كلامها؟..
ابتسم لها مارك وقال بمرح: ولم لا يعجبني وهي تمتدحني؟..
تطلعت له سوزي بنظرة غاضبة .. ومن ثم قالت وهي تنوي الخروج من الغرفة: حسنا اذا .. سأذهب واترككم لوحدكما ولتمتدحك كما تشاء..
ابتسم لها مارك ومد كفه ليمسك بيدها وهو يقول برجاء: لا تذهبي.. لم اصدق اني قد رأيتك اخيرا.. فلا تذهبي وتختفي عن عيني مجددا..
بالرغم منها طفت ابتسامة حانية على شفتيها والتفتت له وهي تقول: وانا لست اقل شوقا لك يا مارك..
تطلع اليها مارك ومن ثم قال بهمس: اتمنى ان لا يتغير اي شيء بيننا بسبب هذا الواقع الذي نحياه..
اومأت سوزي برأسها وهي تقول بابتسامة باهتة والخوف قد بدأ يغزو مشاعرها: اتمنى هذا...
##########
تثاءبت عهد بملل وهي تتطلع الى الطريق الصحراوي الممتد امامهم وقالت بتعب: كم بقي من الوقت حتى نصل الى الشمال؟..
قال فارس وهو يبتسم: لم تمضي سوى ساعة ونصف.. وهذا معناه انه بقي على الاقل ساعتين حتى نصل ..
قالت وهي تمدد ذراعيها امامها بتعب: لو انك تركتني في مقر المقاومة لكان افضل لي من هذا الطريق المتعب..
قال فارس بسخرية: عن اي تعب تتحدثين؟؟.. انت جالسة في مكانك لا تفعلين شيء سوى التطلع للطريق.. وانا الذي يفترض عليه ان ينتبه للطريق ويقود السيارة بحذر في هذا الطريق الصحراوي .. على الرغم من انني لم انم الا لنصف ساعة لا اكثر..
تطلعت اليه بطرف عينها ومن ثم قالت: لم يطلب منك احد ان تذهب الى المنطقة الشمالية وانت في هذه الحال.. كان بامكانك تأجيل الامر..
قال فارس ببرود: مخطأة.. فلم اكن استطيع تأجيل هذا الامر كما تظنين.. لاني قد قمت باعطاء الرجل موعدا على ان التقي به في نهاية هذا اليوم.. وان اعرف مواصفات المنطقة التي يريدها.. ولو فكرت في تأجيل الامر لبحث عن شخص سواي ليبحث له عما يريد.. فهذا رجل اعمال معروف لن ينتظرني ابدا وسيتصل بشخص آخر ليبحث له عما يريد.. وفي النهاية انا من سيخسر هذه الصفقة مع هذا الرجل المعروف.. وشركتي لا تزال في بدايتها وفي حاجة الى مثل رجل الاعمال هذا ليعطي انطباع جيد عن الشركة..
ابتسمت عهد وهي تستمع الى حديثه المطول هذا ومن ثم قالت: يبدوا وانك تنظر للموضوع من اكثر من جانب.. وتحاول معرفة نتائجه مستقبلا قبل ان تقدم على اي فعل ..حتى وان كان هذا على حساب راحتك..
قال وهو يتطلع اليها بطرف عينه: اادركتي هذا الآن فحسب؟؟.. ما افعله معك مثال حي على تفكيري هذا..
عقدت حاجبيها وكأنها لم تفهم .. فقال بهدوء: اعني اشتراكي في فرقة المقاومة على الرغم من ان هذا يأتي على حساب راحتي الجسدية والنفسية..
صمتت عهد لوهلة ومن ثم قالت وهي تلتقط نفسا عميقا: يمكنك ان تترك فرقة المقاومة ان كان الامر يتعبك لهذه الدرجة..
قال فارس وهو يهز كتفيه: المشكلة ان هذا مستحيل..
قالت عهد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: دعك مني وغادر.. انت تعمل نهارا وتحتاج للراحة.. وهذا الامر غير متوقع في فرقة المقاومة التي نعمل فيها ليلا ونهارا..
قال فارس ببرود: ان اتركك في فرقة المقاومة وحدك.. هذا امر اقرب للاحلام..
لم تجب عهد وظلت صامتة وهي تتطلع من نافذة السيارة.. ومن ثم لم تلبث ان التفتت اليه وهي تهم بقول شيء ما.. لكن تلك التعابير التي رأتها على وجه فارس جعلتها تصمت.. كان يعقد حاجبيه بقوة وكأنه يحاول السيطرة على امر ما.. واخيرا ابعد ذراعه المصابة التي كان يقود بها.. واخذ يقود بذراع واحدة ويحاول السيطرة على كل شيء بمجرد ذراع واحدة...
ارتفع حاجبا عهد باشفاق.. انه يتألم لكن بصمت.. يرفض البوح عن آلامه.. يرفض ان يقول اني متعب او اني اتألم.. يعتبر هذا ضعفا يجب ان لا يظهره.. وعلى الرغم منها وجدت نفسها تقول: فارس توقف على جانب الشارع ان كانت ذراعك تؤلمك..
قال فارس وهو يحاول السيطرة على آلامه وبصوت متضايق: انا على ما يرام.. دعك مني..
اخذت عهد تتطلع الى ملامح الألم التي بدأت تزداد على وجهه ..اما فارس فقد قال وهو يتحامل على نفسه ويبتسم ابتسامة باهتة.. وهو يشعر بنظرات عهد له و التي كانت تنطلع الى جرحه بقلق: مابك؟.. لم تتطلعين الي هكذا؟.. لم امت بعد؟..
قالت عهد وهي تزدرد لعابها بتوتر: يبدوا ان ذراعك تؤلمك بشدة.. فربما يتوجب عليك الذهاب الى المشفى.. ربما كان هناك المزيد من قطع الزجاج التي اخترقت ذراعك ولم انتبه لها..
قال فارس بلامبالاة: لا يهم..
قالت عهد بحدة: فارس.. انا فعلت ما افهمه وحسب في هذه الامور.. لكني لست خبيرة.. يتوجب عليك الذهاب للمشفى لتتلقى العلاج اللازم ..
قال بهدوء: دعك مني.. انا بخير..
قالت وهي تحاول السيطرة على اعصابها: فارس..
اوقف فارس السيارة بجانب متجر صغير لبيع بعض المأكولات الخفيفة والتفت لها وهو يقول بابتسامة: ماذا؟..
قالت عهد وهي تشير الى ذراعه: لقد قلت انك ستهتم بذراعك.. اليس كذلك؟.. اذا اذهب وافحصها في المشفى..
قال فارس بابتسامة ساخرة: كفي عن تمثيل دور من يهمه مصلحتي ..
اتسعت عيناها من كلماته وقالت وهي تشير الى نفسها: انا اقوم بالتمثيل عليك؟؟.. انت لم تر قلقي عليك عندما كنت في العاصمة حتى تقول لي هذا الكلام..
قال وهو يرفع حاجبيه باستخفاف: لا اصدق انك كنت قلقة علي حتى وان رأيت ذلك بعيني..
قالت بعصبية: لست املك قلبا من حجر يا استاذ فارس..
قال ببرود: اشك في ذلك..
شعرت بالقهر ..بالحزن وبالالم من استخفافه بمشاعرها.. الهذه الدرجة يراها انسانة بلا قلب؟!.. شاهدته يكاد يفتح باب السيارة فأوقفته وقالت بحدة: انتظر..
التفت لها دون ان يتكلم فقالت وهي تتطلع له بنظرات حادة: لو نظرت الى هاتفك لشاهدت مئات المكالمات مني .. ولأدركت اي خوف شعرت به عندما احسست للحظة بأنه من الممكن ان افقدك وان...
صمتت واطرقت برأسها وهي تحاول تمالك نفسها.. فقال فارس الذي استغرب حدتها: مابك يا عهد؟.. لقد كنت امزح..
رفعت رأسها له وصاحت به قائلة والدموع تسيل على وجنتيها: انت احمق .. لا تدرك اي ذعر عشته في تلك اللحظات.. لا تدرك اني كدت اجن وانا لا اعلم ما الذي جرى لك.. انت غبي لا تعرف اي الم شعرت به عندما شعرت انه من الممكن ان افقدك.. انت اكثر من ابن عم.. انت شخص مهم جدا في حياتي.. انت اغلى مما تتصور.. عندما رأيت جروح ذراعك وجدت نفسي اتألم لجروحك و...
لم تستطع ان تكمل وشهقت بألم وبكاءها يزداد.. ابتسم فارس بحنان وهو يميل نحوها ويقول وهو يربت على كتفها: اهدئي الآن ولا تتحدثي اكثر.. ما بك يا فتاة؟.. لقد كنت امزح معك.. اذا كنت انا شخص مهم عندك.. فانت اهم شخص عندي.. ان كنت شخص غالي بالنسبة لك.. فأنت اغلى عندي من حياتي.. ارجوك لا تبكي..
واكمل وهو يمسح دموعها بأطراف اصابعه ويهمس: فدموعك هذه تؤلمني..
تطلعت اليه بقهر قبل ان تكور قبضتيها وتضربه بكل قوة على صدره .. مرة ومرتين وثلاثة وهي تهتف به: اكرهك .. اكرهك .. اكرهك..
تركها فارس تفرغ غضبها دون ان يبالي بأي الم سببته قبضتيها ..ثم قال بابتسامة بعد ان رآها قد تعبت: هل انتهيت الآن؟..
عضت على شفتيها وقالت له بصوت منخفض: هل اطلب منك طلب؟..
قال وهو يميل تجاهها ويومئ برأسه: اجل..
قالت بابتسامة شاحبة: اضربني..
اتسعت عيناه بدهشة وقال: ماذا؟
قالت في سرعة واصرار: اجل اضربني انا اطلب منك ذلك..
ابتسم بسخرية ومن ثم دفع جبينها باصبعه وقال: يبدوا انك قد جننت من طيلة السهر.. اذا اردتي فاذهبي للنوم واحلمي بما تشائين..
فتح باب السيارة وكاد ان يخرج منها لكنها امسكت ذراعه وقالت باصرار: اضربني لادرك انك معي الآن وانك لم تمت..
شعر بالاشفاق عليها وانه ضغط عليها اكثر من اللازم.. يكفيها ما هي به.. يكفيها الخوف الذي تعيشه في فرقة المقاومة في كل لحظة.. فلم يضغط عليها هو الآخر بعد كل العذاب الذي عاشته وهي تخشى موته؟!...
وقال وهو يقرب كفه من شعرها ويشده لها ويبتسم ابتسامة واسعة: هل صدقت الآن انني امام عينيك؟..
قالت وهي تمسك رأسها بألم: يؤلم..
ابتسم بمرح ومن ثم قال: انت من طلبت ذلك.. هيا دعيني اذهب لاشتري لنا بعض المشروبات والطعام يا ايتها الحمقاء ..
تطلعت اليه بحدة وبغيظ من كلماته ..اما فارس فقد ابتسم ابتسامة واسعة تحمل بين طياتها معنى للحنان والسعادة..ومن ثم لم يلبث ان خرج من السيارة وهو ويتوجه نحو المتجر الصغير ..
تنهدت عهد وهي تراه يبتعد عن السيارة تدريجيا.. واختفت الحدة والغيظ من على وجهها .. لترتسم الابتسامة على شفتيها.. واغمضت عينيها براحة وهي تسند رأسها للمقعد وافكارها منحصرة في شخص واحد فحسب.. في فارس..
##########
تطلع هشام بهدوء يخالف تماما ما يشعر به من خوف بداخله وهو يشير للخريطة التي امامه: غسان.. جهاد.. اريد منكما مراقبة هذه المنطقة .. لن نعتمد على مارك وحسب.. اريد منكم ان تعرفوا ان كانت هناك اي تحركات لهم في هذه المنطقة في الوقت الحالي..
قالت غادة وهي تعقد حاجبيها: وماذا عني انا يا سيادة المقدم؟..
ابتسم لها هشام وقال: لا تقلقي .. لديك مهمة تنتظرك.. ستذهبين لاستلام الاسلحة بالقرب من احد الاماكن بالعاصمة.. وستسلمينها لشخص بعد ان تستمعي لكلمة متفق عليها مسبقا.. ولقد اخترتك انت بالذات لهذه المهمة لأنك فتاة ولن يشك في امرك احد..
ابتسمت غادة ومن ثم قالت وهي تؤدي التحية العسكرية: امرك سيدي.. هلا اطلعتني على التفاصيل؟..
قال هشام وهو يلتفت الى جهاد وغسان: هل لديكم اية اسألة قبل ان اشرح لغادة مهمتها؟..
قال غسان متسائلا: كم من الوقت يتوجب علينا مراقبة هذا المكان؟.. فلا تنسى يا ايها القائد..اننا قد نلفت الانظار لو بقينا طويلا هناك.. خاصة وان هذا المكان تكثر فيه تحركات الجنود البريطانيون..
قال هشام وهو يغمض عينيه بتفكير ومن ثم يفتحهما ليقول: ستستمران بالمراقبة حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. وبعدها يمكنكم اطلاعي بالتفاصيل والعودة لمنازلكم..
اومأ غسان برأسه.. في حين اكتفى جهاد بالصمت.. اما هشام فقد التفت لغادة من جديد وهو يقول بحذر: عند الساعة الرابعة بعد الظهر ستذهبين الى متجر الـ (....) بالعاصمة.. وستطلبين من البائع ان تشتري منه بعض ادوات التجميل بسعر لا يزيد على 20 قطعة نقدية.. سيفهم هو الرسالة.. وسيسلمك حقيبة جلدية تحتوي على على بعض الاسلحة والذخيرة و...
قاطعه جهاد متسائلا بحيرة: لكن اليس حمل عدد من الاسلحة سيكون صعبا على الرائد غادة؟..
اسرعت غادة تقول: لا عليك يا ايها الرائد سأتدبر الامر..
والتفتت الى هشام وهي تقول: وبعدها الى من علي تسلميها؟..
قال هشام وهو يشبك اصابع كفيه: وبعدها ستحملين الحقيبة وتتوجهين الى احد سيارات الاجرة المتوقفة بالقرب من المتجر.. سيكون رقم تلك السيارة هو (3478).. ولا تنسي ان تتأكدي جيدا من الرقم قبل ان تصعدي اليها.. وبعدها اطلبي من السائق ان يوصلك الى المكتبة العامة.. وعندها يجب ان يجيبك بعبارة (المكتبة اغلقت ابوابها منذ ساعة)..
والتقط نفسا عميقا وهو يكمل: ومن ثم اطلبي منه ان يتوقف بجانب الطريق واتركي الحقيبة في سيارته .. وسيتكفل هو بتوصيلها الينا...
قالت غادة مستغربة: ولم لا اقوم انا باحضار الاسلحة اليكم بدلا من كل هذه التعقيدات؟..
ابتسم هشام وقال: الامر ليس بكل هذه البساطة يا غادة.. قد تتعرضين للتفتيش في الطريق.. او قد يتعرض لك احد الجنود البريطانيون.. وسينكشف الامر بالكامل.. ويكون مصيرك السجن مدى الحياة .. ان لم يكن الامر اسوأ ووصل الى الاعدام..
رفعت غادة حاجبيها ومن ثم قالت ببرود: لقد رفعت معنوياتي كثيرا.. شكرا لك يا حضرة المقدم..
اتسعت ابتسامة هشام وهو يقول: انا احاول اطلاعك على حقيقة الامر ليس الا.. فصاحبنا الذي ستتركين الحقيبة في سيارته.. سيعرف كيف يتصرف.. ومنذ الآن اخبرك.. احفظي جيدا اسم المتجر والعبارات التي ستقولينها للبائع ولسائق سيارة الاجرة وكذلك رقم السيارة.. لانك لن تحملي معك اي شيء يذكرك بها لمزيد من الاحتياط..
غادة التي اعتادت اغداقها بالمعلومات في مركز الشرطة.. قالت وهي تتنهد: تقريبا لقد حفظتها .. فيما عدا رقم السيارة الذي سأسجله في هاتفي قبل ان انساه..
قالتها ومن ثم اردفت وهي تبتسم وتنظر الى ساعتها: بقي ثلاث ساعات حتى يحين موعد المهمة.. هل بامكاني العودة الى المنزل لأرتاح قليلا قبل اداء المهمة؟..
قال هشام وهو يومئ برأسه: بكل تأكيد.. وحظا موفقا لك في المهمة.. وان شعرت بانك مراقبة او بأي خطر.. فاتصلي بي على الفور وسأفهم الامر..
قال جهاد وهو يعقد حاجبيه: ان اتصلت بك .. فستزيد الشكوك حولك لو حدث والقي القبض عليها.. ارى ان من الافضل ان تتصل بي او بغسان.. حتى يمكنها تبرير سبب اتصالها..
قالت غادة بحيرة: لكنكما وقتها ستكونان مراقبين لتلك المنطقة..
قال جهاد بهدوء: اذا اتصلي على هاتفي.. ولا تقلقي سأتركه على وضع الارتجاج.. وسأعرف ان اتصلت بي ام لا..ويمكنني بعدها ان ابلغ هشام بالامر..
صمتت دون ان تعرف ان كان ما يقوله هو افضل ام لا.. والتفتت لهشام الذي التفت لها وقال: ارى ان كلام جهاد معقول.. الافضل ان تتصلي به لو شعرت بأي شيء..
قالت وهي تبتسم: حسنا اذا.. بالاذن الآن..
ودعتهم ومن ثم استدارت عنهم لتمضي في طريقها وتغادر فرقة المقاومة...
##########
توقفت تلك السيارة بجانب احد الفنادق المعروفة وصاحبها يشعر بارهاق شديد ينهك جسده.. ولم يلبث ان التفت الى الفتاة الجالسة الى جواره والتي غلبها النوم..وجعلها تغط في نوم عميق طوال الطريق الى هنا..
حك شعره بتعب وحاول ان يحتمل ارهاقه وهو يلتفت لها ويناديها قائلا: عهد.. انهضي .. لقد وصلنا..
لم تجبه.. وظلت صامتة وكأنه لم يتحدث من الاساس.. فرفع صوته وهو يقول: عهد.. افيقي يا عهد..لقد وصلنا..
همهمت بكلمات غير مفهومة.. فزفر بتعب وهو يمد يده ويهزها ويقول: عهد.. عهد.. افيقي هيا..
ظهر صوتها متعبا وهي تقول: دعني انام.. ارجوك..
قال وهو بالكاد يستطيع فتح عينيه: انهضي الآن.. ويمكنك ان تنامي الوقت الذي تشاءينه اذا وصلت لغرفتك بالفندق ..
فتحت عهد عينيها بتعب وقالت: حسنا.. حسنا.. لكن اسرع وانهي الامر لأصعد للغرفة..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه.. وخرج من السيارة وهو يفتح صندوقها.. ليلتقط منه حقيبته المتوسطة الحجم.. وقال وهو يهتف بعهد: اين حقيبتك؟..
اشارت نحو الباب الخلفي وقالت وهي تفرك احدى عينيها: في الخلف..
توجه الى حيث اشارت وفتح الباب ليلتقط حقيبة صغيرة الحجم .. فقال بدهشة وهو يحملها بين يديه: هذه فقط؟؟..
اومأت برأسها دون ان تجيب وهي بالكاد تفتح عينيها.. فقال فارس متسائلا: لم لم تحضري معك المزيد من الملابس؟..
ابتسمت بشحوب وقالت: هذا كل ما لدي تقريبا ..
ارتفع حاجباه بدهشة عارمة وهو يتطلع الى الحقيبة الصغيرة التي بين يديه والتي بالكاد تتسع لبنطالين وقميصين.. وشعر بالذنب لأنه مقصر في حقها ولم يهتم يوما بسؤالها عن طلباتها.. وقال بهدوء وهو يغلق السيارة ويسير باتجاهها: لماذا لم تخبريني من قبل انك لا تمتلكين ملابس تكفيك؟..
قالت عهد وهي تلتفت عنه: انها تكفيني..
تطلع اليها بعدم تصديق .. ومن ثم مضى في طريقه الى داخل الفندق وهو يتأكد بين اللحظة والاخرى ان عهد تسير خلفه..
توجه هو الى قسم الاستقبال الخاص بالفندق.. وطلب منهم مفتاح الغرفتين الذي قام بحجزهما عن طريق الهاتف.. اما عهد فما ان رأت الاريكة الفخمة التي ببهو الفندق.. حتى جلست عليها وهي تشعر ان التعب بات يسيطر على كل خلية في جسدها..
وفارس الذي لم يكن افضل حالا منها.. تقدم منها بعد ان انتهى من اجراءات الفندق.. وقال بشحوب: هيا.. سنصعد الى الغرف..
لم تلحظ تعبه او شحوبه بسبب حاجتها الملحة للنوم.. ونهضت من مكانها وهي تقول: واخيرا..
سار بجانبها وضغط زر المصعد.. وقال وهو يقاوم الصداع الذي بدأ يكتنف رأسه: يبدوا انني سأنام ليوم كامل..
دخلا الى المصعد وضغط فارس على زر الطابق الخامس.. ليرتفع المصعد ببطء وهدوء ويصلا بعدها الى الطابق المنشود.. سلمها فارس بطاقة فتح الباب لغرفتها وقال وهو يبتسم: اذهبي لغرفتك ونامي الآن كما تشائين..
تطلعت الى الرقم المدون على بطاقتها وقالت: 36.. وانت كم رقم غرفتك؟..
قال وهو يغادر معها المصعد: 30..
اتسعت عيناها وهي تقول: تمزح؟.. هذا يعني ان غرفتك بعيدة عن غرفتي كثيرا..
قال بسخرية: بل انها بالطابق الرابع.. لكني قررت ان اوصلك اولا..
سار بجانبها حتى وصلا الى غرفتها.. فسلمها حقيبتها وقال مبتسما: نوما هنيئا لك يا ايتها الكسولة..
ابتسمت وهي تأخذ الحقيبة منه وقالت متسائلة: اين هي غرفتك؟..
اشار الى غرفة مقابلة لغرفتها.. فرفعت عهد حاجبيها ومن ثم قالت بابتسامة: فهمت .. ان الغرفة رقم 30 تكون في مواجهة غرفة رقم 36.. لقد استغربت ان تأخذ غرفتين بعيدين عن بعضهما..
امسك برأسه بتعب وقال بصوت حاول ان يجعله طبيعيا: ادخلي الآن.. سأطمئن عليك اولا.. ومن ثم سأدخل الى غرفتي..
قالت بصوت هادئ: تصبح على خير..
والتفتت عنه لتدلف الى غرفتها .. اما هو فقد اخرج بطاقته وادخلها في المكان المخصص قبل ان يفتح الباب ويدخل ليجد الغرفة مرتبة تماما.. خلع سترته ووضع حقيبته على احد المقاعد قبل ان يخلع حذائيه ويلقي بنفسه على الفراش.. وهو يشعر ان نومه قد يطول كثيرا ...
اما عهد فقد رمت الحقيبة على السرير وتمددت بجانبها وهي تهمس براحة: ما اجمل النوم بعد كل هذا الارهاق..
وغطت في نوم عميق دون ان تشعر...
:
:
يتبع
::هناك::
كادت الممرضة ان تتحرك من مكانها لتعطيه الماء لكنها سمعت صوت ممرضة اخرى وهي تقول مجيبة عن سؤاله: بالتأكيد...
التفت لها بكل لهفة ملأت قلبه.. التفت لها وهو مدركانه لن يستطيع ابدا اخطاء هذا الصوت الذي سمعته اذناه.. وانه يستطيع تمييزه من بين مئات الاصوات..وتطلع اليها وكله شوق ليرى ملامح ذلك الوجه الجميل..
وتعلقت عيناه بابتسامتها القلقة عليه..وبنظراتها المشتاقة له.. وبملامحها الفاتنة.. وتمنى من كل قلبه ان تقترب منه ليتمكن من قول كل ما يجيش في صدره ويطفئ لهيب هذا الشوق الذي احرقه..
وقطع تلك اللحظة صوت الممرضة الاولى وهي تقول بابتسامة: سأخبر الطبيب انك قد افقت..
وابتعدت عنهم لتترك لهم المجال مفتوحا ليفتح كل منهم قلبه للآخر وليعبر عن شوقه ولهفته وحبه للآخر..
وسوزي التي كانت تحاول السيطرة على مشاعرها.. ابتعدت لجهة بالغرفة وملأت له كأسا من الماء دون ان تنتبه للماء الذي سال على يديها وبلل اكمام معطفها.. واقتربت منه وهي تحاول ان تسيطر على رجفة يدها التي تمسك بالكأس ..
وما ان توقفت امامه حتى مدت له يدها بالكأس وهي تقول بصوت مشتاق ومتلهف له: تفضل..اشرب الماء..
لم يأخذ الكأس من يدها.. بل ابتسم وهو يتطلع الى ملامح وجهها الفاتنة ومن ثم مد يده وامسك بيدها مع الكأس الممسكة به.. وقرب الكوب من شفتيه وهو يشرب الماء وعيناه معلقتان بسوزي..
اما هي فقد خفق قلبها بخفقات متسارعة.. وامتدت يدها الاخرى لتمسح على شعره وتقول بصوت هامس: اشتقت اليك يا مارك..
مارك الذي شعر بأن الروح قد عادت اليه بمرأى سوزي .. قال وهو يبعد الكأس عن شفتيه ويتطلع اليها بكل حب: احبك..
ابتسمت سوزي له بحب وحنان وعيناها تنطقان بأعذب كلمات الحب.. وابعدت يدها عن يده لتضع الكأس على طاولة مجاورة ومن ثم تقول وهي تتطلع الى عينيه: كنت اعد الثواني لألتقي بك من جديد.. لا تعلم كم هوصعب علي فراقك..
قال مارك وهو يتنهد: انا كذلك كنت امر بأصعب لحظات يمكن ان اعيشها وانا اتخيلك معي في كل مكان..صوتك وضحكاتك لم تفارق اذناي.. وعيناي لم تكن تبحث الا عن طيفك في كل مكان.. لا اتخيل ان افقدك من جديد يا سوزي..
ابتسمت له سوزي.. وكاد مارك ان يواصل التعبير عن حبه ولهفته وشوقه لسوزي.. لكنه تذكر المهمة التي جاء من اجلها وقال وحاجباه انعقدا فجأة وطغت على ملامحه الجدية: سوزي .. انا هنا شاب بريطاني ومن جنسية بريطانية..لا اعرفك ولا اعرف اي احد هنا.. جئت الى هذه البلاد للسياحة وليست لي اي علاقة بأي شخص من هذه البلاد.. هل فهمت ما اعنيه؟..
اتسعت عينا سوزي لوهلة .. قبل ان تستوعب تدريجيا ما قاله مارك .. ومن ثم قالت وهي تشهق وكفها على شفتيها: لا تقل انك هنا من اجل.. من اجل...
اومأ برأسه ايجابيا دون ان يكمل ما قالته .. فقال بهدوء: ما افعله هو من اجل الجميع.. لأجل الابرياء الذين يُقتلون.. ومن اجل شقيقي.. ومن اجل تحرير الوطن..
عضت سوزي على شفتيها وقالت بصوت مخنوق: لم اتخيل انك هنا لهذا السبب.. انت تبعدنا عن بعضنا من جديد..
قال مارك في سرعة وهو يتطلع اليه بنظرات حزينة: لن يكون لك اي دخل بالموضوع.. ولن يصيبك اي مكروه ثقي بهذا.. مهمتي ان اكسب ثقتهم واحاول ان اكون منهم..
اشاحت بوجهها بعيدا وهي تحاول السيطرة على انفعالها قبل ان تقول بصوت مرتجف: هل تدرك..خطورة قول مثل هذا الكلام.. لمجندة في الجيش البريطاني؟؟...
ابتسم مارك لها بحنان..وامتدت كفه ليمسك بذقنها ويدير وجهها اليه ويقول بصوت حاني مليء بالمشاعر: انت تعرفين حقيقتي.. وتعرفين من اكون.. وكل ما افعله منذ البداية لحماية سكان هذه البلاد.. انا اثق بك..واعلم ان الامر سيظل مدفونا في قلبك.. وحتى وان اخترت وطنك وقررت اخبارهم بحقيقتي فأنا لن اعترض على ذلك.. فأنت هنا جندية في هذا الجيش قبل كل شيء..
تطلعت اليه بعينان مغرورقتان بالدموع ومن ثم صاحت به: لماذا تحب ان تعذبني هكذا؟؟.. تضعني في اصعب الخيارات حتى اتألم.. تعرف اني لا استطيع الاختيار بين وطني وبينك.. انت من يعشقه قلبي.. وهم ابناء وطني.. كيف لي ان اختار؟.. اخبرني كيف؟..
قال مارك وهو يحاول ان يضفي على صوته بعض الهدوء: سوزي.. انت تعلمين منذ البداية اي شخص اكون.. وانني ابدا لن اكون تابعا لجيش ظالم.. وحتى ولو لم اخبرك الآن كنت ستعلمين بهذه المعلومات لاحقا.. انا لن اطالبك بالصمت.. لكن اطلب منك ان تثقي بي كما وثقت بك.. نحن نريد تحرير بلادنا.. وانت تريدين السلامة لابناء بلادك..ولا ترغبين بخيانة وطنك.. ولهذا عليك ان تفكري جيدا.. انا هنا مجرد وسيلة لمعرفة خطط الجيش ومحاولة تفاديها ومنع قتل اهالي البلاد.. لهذا لا تظني ابدا انني سأقبل ان يُقتل الجنود غدرا.. فلست مثلهم..
تطلعت اليه بنظرات طويلة قبل ان تقول وهي تلتقط نفسا عميقا: لا يمكنني ان اتسبب في اذيتك وانت تدرك ذلك يا مارك.. لذلك عدني.. عدني ان لا تقتل احدا من الجنود.. فلا تنسى انهم في النهاية ابناء وطنك..
ربت على وجنتها وقال بنظرات متوترة: اعدك ان احاول ان لا اتورط بأي امر يتعلق بقتل الجنود..
ومن ثم اردف بمرح وهو يحاول ان يبدد الحزن الذي ساد على المكان: الآن حياتي اصبحت بين يديك.. فيمكنك ان تبلغي عني لتقتليني متى شئت..
ابتسمت له بشحوب قبل ان تقول: الآن جاء دوري لأحذرك.. لا تتكلم في هذا الموضوع معي مرة اخرى حتى وان كنا لوحدنا.. فهذا المبنى ليس مكان آمن للتحدث ابدا..
مال مارك نحوها وقال بهدوء: وهل يمكنك مساعدتي ومنحي هاتفك المحمول لاتحدث الى شقيقي واطمئنه على نفسي؟..
قالت سوزي وهي تعقد حاجبيها: ليس الآن.. سأجعلك تتحدث اليه في الوقت المناسب..
ابتسم مارك لها وقال بامتنان: شكرا لك..
صمتت سوزي وهي تحاول تقليب الامر في رأسها عدة مرات.. مارك تسلل الى هنا بخطة من فرقة المقاومة بكل تأكيد..وفي عقله هدف واحد.. ايصال معلومات عن الجيش لفرقة المقاومة.. ربما ليتفادوا الهجمات التي يشنها الجيش عليهم..وربما ليحاولوا الرد عليهم ويوجهوا هجمات للجيش بدورهم..
لم تعد تعرف ما الذي يتوجب عليها فعله.. قلبها متعلق بمارك .. وعقلها يهتف بالواجب نحو الوطن.. ومع هذا لا يمكن لها ان تسلمهم مارك على طبق من ذهب.. لقد وثق بها واخبرها بما ينوي فعله.. وطلب منها ان تساعده ايضا..وكأنها تستطيع ان تحتمل كل تلك الضغوط عليها وكل ....
انقطعت افكارها على صوت باب الغرفة التي فتحته الممرضة وهي تقول بابتسامة: الطبيب لديه عدد من الحالات ليقوم بفحصها.. بعد ان ينهيها سيأتي الى هنا على الفور..
ابتسم لها مارك وقال: شكرا لك..
امسكت الممرضة بمعصمه لتقيس له النبض ومن ثم ضغط الدم والسكر.. قبل ان تقول: انت بصحة جيدة.. لكن هناك عدد من الرضوض المنتشرة بجسدك.. وستتعافى منها مع الوقت..
سوزي التي امسكت بكف مارك واخرجت منها الابرة الطبية المتصلة بالمحلول بخفة..قالت: احضري له بعض الطعام.. فهو بحاجة له الآن..
قالت الممرضة وهي تتطلع الى سوزي باستغراب: ولم لا تذهبين بنفسك لاحضار الطعام؟..
مطت سوزي شفتيها ومن ثم قالت ببرود: لان لدي عدد من الحالات لافحصها بعد ان اغادر غرفة هذا المريض.. هل فهمت الآن؟..
هزت الممرضة كتفيها وقالت مبتسمة: لا بأس.. فمن لا يحب خدمة شاب وسيم مثله؟..
ابتسم مارك وهو يتطلع الى ملامح سوزي التي شعرت لوهلة بالغضب من حديث تلك الممرضة.. وما ان غادرت الاخيرة حتى التفتت له سوزي وقالت: هل اعجبك كلامها؟..
ابتسم لها مارك وقال بمرح: ولم لا يعجبني وهي تمتدحني؟..
تطلعت له سوزي بنظرة غاضبة .. ومن ثم قالت وهي تنوي الخروج من الغرفة: حسنا اذا .. سأذهب واترككم لوحدكما ولتمتدحك كما تشاء..
ابتسم لها مارك ومد كفه ليمسك بيدها وهو يقول برجاء: لا تذهبي.. لم اصدق اني قد رأيتك اخيرا.. فلا تذهبي وتختفي عن عيني مجددا..
بالرغم منها طفت ابتسامة حانية على شفتيها والتفتت له وهي تقول: وانا لست اقل شوقا لك يا مارك..
تطلع اليها مارك ومن ثم قال بهمس: اتمنى ان لا يتغير اي شيء بيننا بسبب هذا الواقع الذي نحياه..
اومأت سوزي برأسها وهي تقول بابتسامة باهتة والخوف قد بدأ يغزو مشاعرها: اتمنى هذا...
##########
تثاءبت عهد بملل وهي تتطلع الى الطريق الصحراوي الممتد امامهم وقالت بتعب: كم بقي من الوقت حتى نصل الى الشمال؟..
قال فارس وهو يبتسم: لم تمضي سوى ساعة ونصف.. وهذا معناه انه بقي على الاقل ساعتين حتى نصل ..
قالت وهي تمدد ذراعيها امامها بتعب: لو انك تركتني في مقر المقاومة لكان افضل لي من هذا الطريق المتعب..
قال فارس بسخرية: عن اي تعب تتحدثين؟؟.. انت جالسة في مكانك لا تفعلين شيء سوى التطلع للطريق.. وانا الذي يفترض عليه ان ينتبه للطريق ويقود السيارة بحذر في هذا الطريق الصحراوي .. على الرغم من انني لم انم الا لنصف ساعة لا اكثر..
تطلعت اليه بطرف عينها ومن ثم قالت: لم يطلب منك احد ان تذهب الى المنطقة الشمالية وانت في هذه الحال.. كان بامكانك تأجيل الامر..
قال فارس ببرود: مخطأة.. فلم اكن استطيع تأجيل هذا الامر كما تظنين.. لاني قد قمت باعطاء الرجل موعدا على ان التقي به في نهاية هذا اليوم.. وان اعرف مواصفات المنطقة التي يريدها.. ولو فكرت في تأجيل الامر لبحث عن شخص سواي ليبحث له عما يريد.. فهذا رجل اعمال معروف لن ينتظرني ابدا وسيتصل بشخص آخر ليبحث له عما يريد.. وفي النهاية انا من سيخسر هذه الصفقة مع هذا الرجل المعروف.. وشركتي لا تزال في بدايتها وفي حاجة الى مثل رجل الاعمال هذا ليعطي انطباع جيد عن الشركة..
ابتسمت عهد وهي تستمع الى حديثه المطول هذا ومن ثم قالت: يبدوا وانك تنظر للموضوع من اكثر من جانب.. وتحاول معرفة نتائجه مستقبلا قبل ان تقدم على اي فعل ..حتى وان كان هذا على حساب راحتك..
قال وهو يتطلع اليها بطرف عينه: اادركتي هذا الآن فحسب؟؟.. ما افعله معك مثال حي على تفكيري هذا..
عقدت حاجبيها وكأنها لم تفهم .. فقال بهدوء: اعني اشتراكي في فرقة المقاومة على الرغم من ان هذا يأتي على حساب راحتي الجسدية والنفسية..
صمتت عهد لوهلة ومن ثم قالت وهي تلتقط نفسا عميقا: يمكنك ان تترك فرقة المقاومة ان كان الامر يتعبك لهذه الدرجة..
قال فارس وهو يهز كتفيه: المشكلة ان هذا مستحيل..
قالت عهد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: دعك مني وغادر.. انت تعمل نهارا وتحتاج للراحة.. وهذا الامر غير متوقع في فرقة المقاومة التي نعمل فيها ليلا ونهارا..
قال فارس ببرود: ان اتركك في فرقة المقاومة وحدك.. هذا امر اقرب للاحلام..
لم تجب عهد وظلت صامتة وهي تتطلع من نافذة السيارة.. ومن ثم لم تلبث ان التفتت اليه وهي تهم بقول شيء ما.. لكن تلك التعابير التي رأتها على وجه فارس جعلتها تصمت.. كان يعقد حاجبيه بقوة وكأنه يحاول السيطرة على امر ما.. واخيرا ابعد ذراعه المصابة التي كان يقود بها.. واخذ يقود بذراع واحدة ويحاول السيطرة على كل شيء بمجرد ذراع واحدة...
ارتفع حاجبا عهد باشفاق.. انه يتألم لكن بصمت.. يرفض البوح عن آلامه.. يرفض ان يقول اني متعب او اني اتألم.. يعتبر هذا ضعفا يجب ان لا يظهره.. وعلى الرغم منها وجدت نفسها تقول: فارس توقف على جانب الشارع ان كانت ذراعك تؤلمك..
قال فارس وهو يحاول السيطرة على آلامه وبصوت متضايق: انا على ما يرام.. دعك مني..
اخذت عهد تتطلع الى ملامح الألم التي بدأت تزداد على وجهه ..اما فارس فقد قال وهو يتحامل على نفسه ويبتسم ابتسامة باهتة.. وهو يشعر بنظرات عهد له و التي كانت تنطلع الى جرحه بقلق: مابك؟.. لم تتطلعين الي هكذا؟.. لم امت بعد؟..
قالت عهد وهي تزدرد لعابها بتوتر: يبدوا ان ذراعك تؤلمك بشدة.. فربما يتوجب عليك الذهاب الى المشفى.. ربما كان هناك المزيد من قطع الزجاج التي اخترقت ذراعك ولم انتبه لها..
قال فارس بلامبالاة: لا يهم..
قالت عهد بحدة: فارس.. انا فعلت ما افهمه وحسب في هذه الامور.. لكني لست خبيرة.. يتوجب عليك الذهاب للمشفى لتتلقى العلاج اللازم ..
قال بهدوء: دعك مني.. انا بخير..
قالت وهي تحاول السيطرة على اعصابها: فارس..
اوقف فارس السيارة بجانب متجر صغير لبيع بعض المأكولات الخفيفة والتفت لها وهو يقول بابتسامة: ماذا؟..
قالت عهد وهي تشير الى ذراعه: لقد قلت انك ستهتم بذراعك.. اليس كذلك؟.. اذا اذهب وافحصها في المشفى..
قال فارس بابتسامة ساخرة: كفي عن تمثيل دور من يهمه مصلحتي ..
اتسعت عيناها من كلماته وقالت وهي تشير الى نفسها: انا اقوم بالتمثيل عليك؟؟.. انت لم تر قلقي عليك عندما كنت في العاصمة حتى تقول لي هذا الكلام..
قال وهو يرفع حاجبيه باستخفاف: لا اصدق انك كنت قلقة علي حتى وان رأيت ذلك بعيني..
قالت بعصبية: لست املك قلبا من حجر يا استاذ فارس..
قال ببرود: اشك في ذلك..
شعرت بالقهر ..بالحزن وبالالم من استخفافه بمشاعرها.. الهذه الدرجة يراها انسانة بلا قلب؟!.. شاهدته يكاد يفتح باب السيارة فأوقفته وقالت بحدة: انتظر..
التفت لها دون ان يتكلم فقالت وهي تتطلع له بنظرات حادة: لو نظرت الى هاتفك لشاهدت مئات المكالمات مني .. ولأدركت اي خوف شعرت به عندما احسست للحظة بأنه من الممكن ان افقدك وان...
صمتت واطرقت برأسها وهي تحاول تمالك نفسها.. فقال فارس الذي استغرب حدتها: مابك يا عهد؟.. لقد كنت امزح..
رفعت رأسها له وصاحت به قائلة والدموع تسيل على وجنتيها: انت احمق .. لا تدرك اي ذعر عشته في تلك اللحظات.. لا تدرك اني كدت اجن وانا لا اعلم ما الذي جرى لك.. انت غبي لا تعرف اي الم شعرت به عندما شعرت انه من الممكن ان افقدك.. انت اكثر من ابن عم.. انت شخص مهم جدا في حياتي.. انت اغلى مما تتصور.. عندما رأيت جروح ذراعك وجدت نفسي اتألم لجروحك و...
لم تستطع ان تكمل وشهقت بألم وبكاءها يزداد.. ابتسم فارس بحنان وهو يميل نحوها ويقول وهو يربت على كتفها: اهدئي الآن ولا تتحدثي اكثر.. ما بك يا فتاة؟.. لقد كنت امزح معك.. اذا كنت انا شخص مهم عندك.. فانت اهم شخص عندي.. ان كنت شخص غالي بالنسبة لك.. فأنت اغلى عندي من حياتي.. ارجوك لا تبكي..
واكمل وهو يمسح دموعها بأطراف اصابعه ويهمس: فدموعك هذه تؤلمني..
تطلعت اليه بقهر قبل ان تكور قبضتيها وتضربه بكل قوة على صدره .. مرة ومرتين وثلاثة وهي تهتف به: اكرهك .. اكرهك .. اكرهك..
تركها فارس تفرغ غضبها دون ان يبالي بأي الم سببته قبضتيها ..ثم قال بابتسامة بعد ان رآها قد تعبت: هل انتهيت الآن؟..
عضت على شفتيها وقالت له بصوت منخفض: هل اطلب منك طلب؟..
قال وهو يميل تجاهها ويومئ برأسه: اجل..
قالت بابتسامة شاحبة: اضربني..
اتسعت عيناه بدهشة وقال: ماذا؟
قالت في سرعة واصرار: اجل اضربني انا اطلب منك ذلك..
ابتسم بسخرية ومن ثم دفع جبينها باصبعه وقال: يبدوا انك قد جننت من طيلة السهر.. اذا اردتي فاذهبي للنوم واحلمي بما تشائين..
فتح باب السيارة وكاد ان يخرج منها لكنها امسكت ذراعه وقالت باصرار: اضربني لادرك انك معي الآن وانك لم تمت..
شعر بالاشفاق عليها وانه ضغط عليها اكثر من اللازم.. يكفيها ما هي به.. يكفيها الخوف الذي تعيشه في فرقة المقاومة في كل لحظة.. فلم يضغط عليها هو الآخر بعد كل العذاب الذي عاشته وهي تخشى موته؟!...
وقال وهو يقرب كفه من شعرها ويشده لها ويبتسم ابتسامة واسعة: هل صدقت الآن انني امام عينيك؟..
قالت وهي تمسك رأسها بألم: يؤلم..
ابتسم بمرح ومن ثم قال: انت من طلبت ذلك.. هيا دعيني اذهب لاشتري لنا بعض المشروبات والطعام يا ايتها الحمقاء ..
تطلعت اليه بحدة وبغيظ من كلماته ..اما فارس فقد ابتسم ابتسامة واسعة تحمل بين طياتها معنى للحنان والسعادة..ومن ثم لم يلبث ان خرج من السيارة وهو ويتوجه نحو المتجر الصغير ..
تنهدت عهد وهي تراه يبتعد عن السيارة تدريجيا.. واختفت الحدة والغيظ من على وجهها .. لترتسم الابتسامة على شفتيها.. واغمضت عينيها براحة وهي تسند رأسها للمقعد وافكارها منحصرة في شخص واحد فحسب.. في فارس..
##########
تطلع هشام بهدوء يخالف تماما ما يشعر به من خوف بداخله وهو يشير للخريطة التي امامه: غسان.. جهاد.. اريد منكما مراقبة هذه المنطقة .. لن نعتمد على مارك وحسب.. اريد منكم ان تعرفوا ان كانت هناك اي تحركات لهم في هذه المنطقة في الوقت الحالي..
قالت غادة وهي تعقد حاجبيها: وماذا عني انا يا سيادة المقدم؟..
ابتسم لها هشام وقال: لا تقلقي .. لديك مهمة تنتظرك.. ستذهبين لاستلام الاسلحة بالقرب من احد الاماكن بالعاصمة.. وستسلمينها لشخص بعد ان تستمعي لكلمة متفق عليها مسبقا.. ولقد اخترتك انت بالذات لهذه المهمة لأنك فتاة ولن يشك في امرك احد..
ابتسمت غادة ومن ثم قالت وهي تؤدي التحية العسكرية: امرك سيدي.. هلا اطلعتني على التفاصيل؟..
قال هشام وهو يلتفت الى جهاد وغسان: هل لديكم اية اسألة قبل ان اشرح لغادة مهمتها؟..
قال غسان متسائلا: كم من الوقت يتوجب علينا مراقبة هذا المكان؟.. فلا تنسى يا ايها القائد..اننا قد نلفت الانظار لو بقينا طويلا هناك.. خاصة وان هذا المكان تكثر فيه تحركات الجنود البريطانيون..
قال هشام وهو يغمض عينيه بتفكير ومن ثم يفتحهما ليقول: ستستمران بالمراقبة حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. وبعدها يمكنكم اطلاعي بالتفاصيل والعودة لمنازلكم..
اومأ غسان برأسه.. في حين اكتفى جهاد بالصمت.. اما هشام فقد التفت لغادة من جديد وهو يقول بحذر: عند الساعة الرابعة بعد الظهر ستذهبين الى متجر الـ (....) بالعاصمة.. وستطلبين من البائع ان تشتري منه بعض ادوات التجميل بسعر لا يزيد على 20 قطعة نقدية.. سيفهم هو الرسالة.. وسيسلمك حقيبة جلدية تحتوي على على بعض الاسلحة والذخيرة و...
قاطعه جهاد متسائلا بحيرة: لكن اليس حمل عدد من الاسلحة سيكون صعبا على الرائد غادة؟..
اسرعت غادة تقول: لا عليك يا ايها الرائد سأتدبر الامر..
والتفتت الى هشام وهي تقول: وبعدها الى من علي تسلميها؟..
قال هشام وهو يشبك اصابع كفيه: وبعدها ستحملين الحقيبة وتتوجهين الى احد سيارات الاجرة المتوقفة بالقرب من المتجر.. سيكون رقم تلك السيارة هو (3478).. ولا تنسي ان تتأكدي جيدا من الرقم قبل ان تصعدي اليها.. وبعدها اطلبي من السائق ان يوصلك الى المكتبة العامة.. وعندها يجب ان يجيبك بعبارة (المكتبة اغلقت ابوابها منذ ساعة)..
والتقط نفسا عميقا وهو يكمل: ومن ثم اطلبي منه ان يتوقف بجانب الطريق واتركي الحقيبة في سيارته .. وسيتكفل هو بتوصيلها الينا...
قالت غادة مستغربة: ولم لا اقوم انا باحضار الاسلحة اليكم بدلا من كل هذه التعقيدات؟..
ابتسم هشام وقال: الامر ليس بكل هذه البساطة يا غادة.. قد تتعرضين للتفتيش في الطريق.. او قد يتعرض لك احد الجنود البريطانيون.. وسينكشف الامر بالكامل.. ويكون مصيرك السجن مدى الحياة .. ان لم يكن الامر اسوأ ووصل الى الاعدام..
رفعت غادة حاجبيها ومن ثم قالت ببرود: لقد رفعت معنوياتي كثيرا.. شكرا لك يا حضرة المقدم..
اتسعت ابتسامة هشام وهو يقول: انا احاول اطلاعك على حقيقة الامر ليس الا.. فصاحبنا الذي ستتركين الحقيبة في سيارته.. سيعرف كيف يتصرف.. ومنذ الآن اخبرك.. احفظي جيدا اسم المتجر والعبارات التي ستقولينها للبائع ولسائق سيارة الاجرة وكذلك رقم السيارة.. لانك لن تحملي معك اي شيء يذكرك بها لمزيد من الاحتياط..
غادة التي اعتادت اغداقها بالمعلومات في مركز الشرطة.. قالت وهي تتنهد: تقريبا لقد حفظتها .. فيما عدا رقم السيارة الذي سأسجله في هاتفي قبل ان انساه..
قالتها ومن ثم اردفت وهي تبتسم وتنظر الى ساعتها: بقي ثلاث ساعات حتى يحين موعد المهمة.. هل بامكاني العودة الى المنزل لأرتاح قليلا قبل اداء المهمة؟..
قال هشام وهو يومئ برأسه: بكل تأكيد.. وحظا موفقا لك في المهمة.. وان شعرت بانك مراقبة او بأي خطر.. فاتصلي بي على الفور وسأفهم الامر..
قال جهاد وهو يعقد حاجبيه: ان اتصلت بك .. فستزيد الشكوك حولك لو حدث والقي القبض عليها.. ارى ان من الافضل ان تتصل بي او بغسان.. حتى يمكنها تبرير سبب اتصالها..
قالت غادة بحيرة: لكنكما وقتها ستكونان مراقبين لتلك المنطقة..
قال جهاد بهدوء: اذا اتصلي على هاتفي.. ولا تقلقي سأتركه على وضع الارتجاج.. وسأعرف ان اتصلت بي ام لا..ويمكنني بعدها ان ابلغ هشام بالامر..
صمتت دون ان تعرف ان كان ما يقوله هو افضل ام لا.. والتفتت لهشام الذي التفت لها وقال: ارى ان كلام جهاد معقول.. الافضل ان تتصلي به لو شعرت بأي شيء..
قالت وهي تبتسم: حسنا اذا.. بالاذن الآن..
ودعتهم ومن ثم استدارت عنهم لتمضي في طريقها وتغادر فرقة المقاومة...
##########
توقفت تلك السيارة بجانب احد الفنادق المعروفة وصاحبها يشعر بارهاق شديد ينهك جسده.. ولم يلبث ان التفت الى الفتاة الجالسة الى جواره والتي غلبها النوم..وجعلها تغط في نوم عميق طوال الطريق الى هنا..
حك شعره بتعب وحاول ان يحتمل ارهاقه وهو يلتفت لها ويناديها قائلا: عهد.. انهضي .. لقد وصلنا..
لم تجبه.. وظلت صامتة وكأنه لم يتحدث من الاساس.. فرفع صوته وهو يقول: عهد.. افيقي يا عهد..لقد وصلنا..
همهمت بكلمات غير مفهومة.. فزفر بتعب وهو يمد يده ويهزها ويقول: عهد.. عهد.. افيقي هيا..
ظهر صوتها متعبا وهي تقول: دعني انام.. ارجوك..
قال وهو بالكاد يستطيع فتح عينيه: انهضي الآن.. ويمكنك ان تنامي الوقت الذي تشاءينه اذا وصلت لغرفتك بالفندق ..
فتحت عهد عينيها بتعب وقالت: حسنا.. حسنا.. لكن اسرع وانهي الامر لأصعد للغرفة..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه.. وخرج من السيارة وهو يفتح صندوقها.. ليلتقط منه حقيبته المتوسطة الحجم.. وقال وهو يهتف بعهد: اين حقيبتك؟..
اشارت نحو الباب الخلفي وقالت وهي تفرك احدى عينيها: في الخلف..
توجه الى حيث اشارت وفتح الباب ليلتقط حقيبة صغيرة الحجم .. فقال بدهشة وهو يحملها بين يديه: هذه فقط؟؟..
اومأت برأسها دون ان تجيب وهي بالكاد تفتح عينيها.. فقال فارس متسائلا: لم لم تحضري معك المزيد من الملابس؟..
ابتسمت بشحوب وقالت: هذا كل ما لدي تقريبا ..
ارتفع حاجباه بدهشة عارمة وهو يتطلع الى الحقيبة الصغيرة التي بين يديه والتي بالكاد تتسع لبنطالين وقميصين.. وشعر بالذنب لأنه مقصر في حقها ولم يهتم يوما بسؤالها عن طلباتها.. وقال بهدوء وهو يغلق السيارة ويسير باتجاهها: لماذا لم تخبريني من قبل انك لا تمتلكين ملابس تكفيك؟..
قالت عهد وهي تلتفت عنه: انها تكفيني..
تطلع اليها بعدم تصديق .. ومن ثم مضى في طريقه الى داخل الفندق وهو يتأكد بين اللحظة والاخرى ان عهد تسير خلفه..
توجه هو الى قسم الاستقبال الخاص بالفندق.. وطلب منهم مفتاح الغرفتين الذي قام بحجزهما عن طريق الهاتف.. اما عهد فما ان رأت الاريكة الفخمة التي ببهو الفندق.. حتى جلست عليها وهي تشعر ان التعب بات يسيطر على كل خلية في جسدها..
وفارس الذي لم يكن افضل حالا منها.. تقدم منها بعد ان انتهى من اجراءات الفندق.. وقال بشحوب: هيا.. سنصعد الى الغرف..
لم تلحظ تعبه او شحوبه بسبب حاجتها الملحة للنوم.. ونهضت من مكانها وهي تقول: واخيرا..
سار بجانبها وضغط زر المصعد.. وقال وهو يقاوم الصداع الذي بدأ يكتنف رأسه: يبدوا انني سأنام ليوم كامل..
دخلا الى المصعد وضغط فارس على زر الطابق الخامس.. ليرتفع المصعد ببطء وهدوء ويصلا بعدها الى الطابق المنشود.. سلمها فارس بطاقة فتح الباب لغرفتها وقال وهو يبتسم: اذهبي لغرفتك ونامي الآن كما تشائين..
تطلعت الى الرقم المدون على بطاقتها وقالت: 36.. وانت كم رقم غرفتك؟..
قال وهو يغادر معها المصعد: 30..
اتسعت عيناها وهي تقول: تمزح؟.. هذا يعني ان غرفتك بعيدة عن غرفتي كثيرا..
قال بسخرية: بل انها بالطابق الرابع.. لكني قررت ان اوصلك اولا..
سار بجانبها حتى وصلا الى غرفتها.. فسلمها حقيبتها وقال مبتسما: نوما هنيئا لك يا ايتها الكسولة..
ابتسمت وهي تأخذ الحقيبة منه وقالت متسائلة: اين هي غرفتك؟..
اشار الى غرفة مقابلة لغرفتها.. فرفعت عهد حاجبيها ومن ثم قالت بابتسامة: فهمت .. ان الغرفة رقم 30 تكون في مواجهة غرفة رقم 36.. لقد استغربت ان تأخذ غرفتين بعيدين عن بعضهما..
امسك برأسه بتعب وقال بصوت حاول ان يجعله طبيعيا: ادخلي الآن.. سأطمئن عليك اولا.. ومن ثم سأدخل الى غرفتي..
قالت بصوت هادئ: تصبح على خير..
والتفتت عنه لتدلف الى غرفتها .. اما هو فقد اخرج بطاقته وادخلها في المكان المخصص قبل ان يفتح الباب ويدخل ليجد الغرفة مرتبة تماما.. خلع سترته ووضع حقيبته على احد المقاعد قبل ان يخلع حذائيه ويلقي بنفسه على الفراش.. وهو يشعر ان نومه قد يطول كثيرا ...
اما عهد فقد رمت الحقيبة على السرير وتمددت بجانبها وهي تهمس براحة: ما اجمل النوم بعد كل هذا الارهاق..
وغطت في نوم عميق دون ان تشعر...
:
:
يتبع