بالمدينة يسبح ربه بحمده على ما أراه من دخول الناس في دين الله أفواجاً ، ومن نجاح دعوته التي قام بها قبل نحو ثلاث وعشرين سنة ، وقد استقبل بعد عودته إلى المدينة بعض الوفود . وجهز أسامة بن زيد في سبعمائة مقاتل ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، وقد تحرك جيشه ونزل بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة ، ولكن نقلت إليه أخبار مقلقة عن مرض رسول الله
فتريث ينتظر النتيجة ، فجاء قضاء الله بوفاة رسول الله
، وأن يكون هذا البعث أول بعث في عهد أبي بكر الصديق t .
الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة بدأت طلائع الوداع من الدنيا تتسم في أقواله وأفعاله . اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوماً ، وعارضه جبريل القرآن مرتين . فقال لا بنته فاطمة :" لا أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ". وودع معاذاً إلى اليمن فأوصاه ، ثم قال : " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري ". فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله
. وقال
في حجة الوداع مراراً :" لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، ولعلي لا أحج بعد عامي هذا "، وكان نزول قوله تعالى : ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..... الآية [ . وكذلك نزول صورة النصر إشعاراً بأنه فرغ من مهمته في الدنيا ، ولذلك سميت بحجة الوداع ، أي إنه ودع الناس لينتقل إلى ربه – سبحانه وتعالى . وفي أوائل شهر صفر سنة 11هـ خرج
إلى أحد ، فصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات ، ثم انصرف إلى المنبر فقال :" أنا فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، أو مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ". وفي أواخر شهر صفر خرج إلى بقيع الغرقد في جوف الليل ، فاستغفر لهم وقال :" إنا بكم لا حقون ".
جنازة في البقيع . قالت عائشة : رجع من البقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي ، وأنا أقول : وا رآساه ، فقال :" بل أنا والله يا عائشة وا رأساه ". كان هذا بداية مرضه
وهو مع ذلك يدور على نسائه ، حتى اشتد به المرض ، وهو في بيت ميمونة فأخذ يسأل : أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة ، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء ، فخرج يمشي بين الفضل بن عباس ، وعلى بن أبي طالب ، وتخط قدماه بالأرض ، حتى انتقل إلى بيت عائشة .
قالت عائشة – رضي الله عنها : لما دخل بيتي ، واشتد به وجعه قال : " هر يقوا علي من سبع قرب ، لم تحلل أوكيتهن ، لعلي أعهد إلى الناس " . فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي
، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب ، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ، ثم خرج إلى الناس ، فصلى بهم وخطبهم . وقال فيما قال :" أن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ،إني أنهاكم عن ذلك ". وقال :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وقال :" لا تتخذوا قبري وثناً يعبد ". وعرض نفسه للقصاص ، وأوصى بالأنصار خيراً ، ثم قال : "إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ". قال أبو سعيد الخدري : فبكى أبو بكر وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا . فقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ ، يخبر رسول الله
عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، فكان رسول الله
هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . ثم أثنى رسول الله
على أبي بكر ، وأمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد ، إلا باب أبي بكر . وكان ذلك يوم الأربعاء ، فلما كان يوم الخميس وقد أشتد به الوجع ، قال " هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده " ، فقال عمر : قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبكم كتاب الله ، فاختلفوا ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله
" قوموا عني " . وأوصى في ذلك اليوم بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب ، وبإيجاز الوفود بنحو ما كان يجيزهم ، وأكد لهم أمر الصلاة ، وما ملكت أيمانهم ، وقال :" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ".
مع شدة مرضه يصلي بالناس ، فلما كان ذلك اليوم – يوم الخميس – وحان وقت صلاة العشاء اغتسل
في مخضب ليتخفف ، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه ، ثم أفاق فاغتسل ثانياً ، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه ، ثم أفاق فاغتسل ثالثاً فلما ذهب ليقوم أغمي عليه ، فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ، فصلى أبو بكر تلك الأيام ، وجملة الصلوات التي صلاها أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة . ويم السبت أو
الأحد وجد رسول الله
في نفسه خفة فخرج بين رجلين لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فأجلساه إلى يساره ، فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله
غلمانه ، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده ، ووهب المسلمين سلاحه ، وجاء الليل فأرسلت عائشة – رضي الله عنها – بمصباحها إلى امرأة وقالت : أقطري لنا في مصباحنا من عكتك السمن ، وكانت درعه
ولما أصبح يوم الاثنين – وكان يوم نوبة عائشة – وقام أبو بكر يصلي بالناس صلاة الفجر كشف رسول الله
ستر حجرة عائشة فنظر إليهم ، ثم تبسم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظن أنه
يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، فرحاً برسول الله
، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر . وفي هذا اليوم – أو في هذا الأسبوع – دعا رسول الله
فاطمة فسارها بشئ فبكت ، ثم سارها بشئ فضحكت ، وسألتها عائشة عن ذلك فكتمت ، حتى توفي رسول الله
فأخبرتها أنه قال لها في الأولى : إنه يموت في مرضه هذا فبكيت . وقال لها في الثانية : إنها أول أهله يتبعه فضحكت ، وبشرها أيضاً أنها سيدة نساء العالمين . ورأت فاطمة ما برسول الله
من شدة الكرب ، فقالت :" واكرب أباه " ، فقال :" ليس على أبيك كرب بعد اليوم "، ودعا الحسن والحسين فقبلهما ، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن . وطفق الوجع يشتد ويزيد ، وانتقض السم الذي أكله بخيبر ، فأخذ يحس بشدة ألمه ، وكان قد طرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد – يحذر ما صنعوا – لا يبقين دينان بأرض العرب " ، وكان هذا من آخر ما تكلم وأوصى به الناس ، وكرر مراراً :" الصلاة ، الصلاة ، وما ملكت أيمانكم "
وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة – رضي الله عنها – إلى صدرها بين سحرها ونحرها . وجاء أخوها عبدالرحمن بسواك من جريدة رطبة ، فأخذ رسول الله
ينظر إلى السواك ، ففهمت عائشة أنه يريدة ، فسألته فأشار برأسه : أن نعم ، فأخذته ومضغته حتى لينته ، فاستاك به رسول الله
كأحسن ما كان يستاك ، وبين يديه ركوة فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء ، ويسمح به وجهه ، ويقول : لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات . ثم رفع يديه أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف ، وتحركت شفتاه ، فأصغت إليه عائشة فسمعته يقول :" مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ". وكرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً ، وفاضت روحه ، ومالت يده ، ولحق بالرفيق الأعلى ، وذلك يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11هـ حين اشتد الضحى ، وقد تم له ثلاث وستون سنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وتسرب الخبر بين الصحابة خلال لحظات ، فأظلمت عليهم الدنيا ، وكادوا يفقدون وعيهم ، فلم يكن يوم أحسن ولا أضوء من يوم دخل فيه رسول الله
المدينة ، ولم يكن يوم أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه ، وكان لهم ضجيج كضجيج الحجاج من البكاء . وقام عمر بن الخطاب t في المسجد يقول : إن رسول الله
لم يمت ولا يموت حتى يفني الله المنافقين ، وأخذ يتوعد بالقطع والقتل من يقول إنه مات ، والصحابة حوله في المسجد حائرون مندهشون . وكان أبو بكر t قد خرج إلى مسكنه بالسنح حين رأى الخفة في مرضه
صباحاً ، فلما توفي
أقبل أبو بكر على دابته حتى نزل ، فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس ، حتى دخل على عائشة ، فقصد رسول الله
، وهو مسجى ببرد حبرة ، فكشف وجهه ، فقبله وبكى ، ثم قال :بأبي أنت وأمي ، ولا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها . ثم خرج فقال : اجلس يا عمر ، فأبى أن يجلس ، فتركه وجاء إلى المنبر وقام بجنبه ، وترك الناس عمر ، وأقبلوا إليه ، فتشهد وقال : أما بعد ، من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، قال الله – تعالى . { وَمَا محمد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ } . قال ابن عباس : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية ، حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس ، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق ، فعقرت ، حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى هويت إلى الأرض ، وعرفت أنه قد مات .
في إدارة شئون العباد والبلاد ، وكان علي بن أبي طالب t يرى أنه أحق بالخلافة ، لقرابته منه
، فاجتمع هو والزبير ورجال من بني هاشم في بيت فاطمة – رضي الله عنها – واجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليختاروا أميراً منهم ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما . وذهب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما – ومعهما أبو عبيدة بن الجراح والمهاجرون – إلى سقيفة بني ساعدة فجرى بينهم وبين الأنصار نقاش وحوار ذكر فيه الأنصار فضلهم واستحقاقهم ، فقال أبو بكر إن ما ذكرتم من خير فأنتم أهله ، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش – أي لا ينقادون لحكم أحد غير قريش – هم أوسط العرب نسباً وداراً ، ثم أخذ بيد عمر وبيد أبي عبيدة ، وقال : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين . فقال رجل من الأنصار : منا أمير ومنكم أمير . فكثر اللغط والأصوات ، وخشوا الاختلاف ، فقال عمر لأبي بكر : ابسط يدك ، فبسطها ، فبايعه هو والمهاجرون والأنصار .
ولم يجردوه من ثيابه ، وقام بغسله العباس وعلي ، والفضل وقثم ابنا العباس ، وشقران مولى رسول الله
، وأسامة بن زيد ، وأوس بن خولى ، وكان العباس وابناهما يقلبونه ، وأسامة وشقران يصبان الماء ، وعلي يغسله ، وأوس أسنده إلى صدره . وقد غسلوه ثلاث غسلات بماء وسدر ، وكان الماء من بئر لسعد بن خيثمة بقباء ، يقال لها الغرس ، وكان
بشرب منها . وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ،وليس فيها قميص ولا عمامة ، أدرج فيها إدراجاً . وحفر أبو طلحة قبره في الموضع الذي توفي فيه ، وجعل القبر لحداً ، ثم وضع سريره على شفير القبر ، ودخل الناس ارسالاً عشرة فعشرة ، ويصلون عليه أفذاذاً ، لا يؤمهم أحد ، وأول من صلى عليه عشرته ، ثم المهاجرون ، ثم الأنصار ، ثم الصبيان ثم النساء ، أو النساء ثم الصبيان . وانتهى في ذلك يوم الثلاثاء ومعظم ليلة الأربعاء ، ثم أنزلوه
في مختلف مراحل حياته إحدى عشرة امرأة أو اثنتا عشرة امرأة ، واجتمع منهن تسع في آخر حياته ، وأما الاثنتان أو الثلاث فقد وافتهن الوفاة والنبي
حي ، وفيما يلي ذكر موجز لهن :
1- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها تقدم أن النبي
تزوجها وهي في سن الأربعين ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وجميع أولاده
منها سوى إبراهيم ، ولم يتزوج عليها امرأة أخرى مدة حياتها ، توفيت بمكة في رمضان سنة عشر النبوة ، ودفنت بالحجون . ولها 65 سنة .
2- أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – كانت تحت ابن عمها السكران بن عمرو ، فأسلما وهاجرا إلى الحبشة ، ثم رجعا فمات عنها ، فتزوجها النبي
، وذلك في شوال سنة عشر من النبوة ، بعد وفاة خديجة بنحو شهر ، وتوفيت بالمدينة في شوال سنة 54 هـ .
3- أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق – رضي الله عنها – تزوجها النبي
في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة بعد سودة بسنة ، وهي بنت ست سنين ، ونبي بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر وهي بنت تسع سنين ، ولم يتزوج بكراً غيرها ، وهي أفقه نساء الأمة ، وفضلها على النساء كفضل الثريد على السائر الطعام ، وتوفيت في 17 رمضان سنه 57هـ أو 58 هـ ودفنت بالبقيع .
4 - أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنها ـ كانت تحت خنيس بن حذافة السهمي ، فتوفي عنها بين بدر وأحد لجرح أصابه في بدر ، ثم انتقض عليه فيما بعد ، فلما حلت تزوجها النبي
في شعبان سنة 3هـ ، توفيت بالمدينة في شعبان سنة 45هـ ولها ستون سنة ، ودفنت بالبقيع .
5 -أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية – رضي الله عنها : كانت تحت عبيدة بن الحارث ، فقتل عنها يوم بدر ، فتزوجها رسول الله
في رمضان سنة 3هـ . وقيل : وكانت تحت عبدالله بن جحش فقتل عنها يوم أحد ، فتزوجها رسول الله
في سنة 4هـ كانت تسمى في الجاهلية بأم المساكين ، لإطعامها إياهم ، توفيت في آخر ربيع الآخر سنة 4هـ بعد الزواج به
بثمانية أشهر أو بنحو ثلاثة أشهر ، فصلى عليها النبي
ودفنت بالبقيع .
6- أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية – رضي الله عنها : كانت تحت أبي سلمة ، وله منها أولاد ، فتوفي عنها في جمادي الآخرة سنة 4هـ فتزوجها رسول الله
في ليال بقين من شوال سنة 4هـ كانت من أفقه النساء وأعقلهن ، توفيت سنة 59هـ وقيل 62هـ ودفنت بالبقيع ، ولها 84 سنة .
7 - أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب – رضي الله عنها : وهي ابنة أميمه بنت عبد المطلب : عمة النبي
زوجت بزيد بن حارثة ، فلم يوفق بينهما ، حتى طلقها زيد ، وكان قد تبناه النبي
فيقال له زيد بن محمد ، كما تقدم ، وكان أهل الجاهلية يرون تحريم زوجة المتنبي على أبيه المتنبي مثل تحريم زوجة الابن الحقيقي ، فلما انقضت عدة زينب من زيد زوجها الله – سبحانه وتعالى – بالنبي
من فوق سبع سماوات ، وأبطل التبني ، وذلك في ذي القعدة سنة 5هـ وقيل : في سنة 4هـ وكانت من أعبد النساء وأعظمهن صدقة . توفيت سنة 20هـ ولها 53 سنة . وكانت أول أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله
، صلى عليها عمر بن الخطاب t ودفنت بالبقيع .
8 - أم المؤمنين جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق – رضي الله عنهما : سبيت في غزوة بني المصطلق في شعبان سنة 6هـ وقيل : سنة 5هـ فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها . فقضى رسول الله
كتابتها ، فأعتقها وتزوجها ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق ، وقالوا : أصهار رسول الله
فكانت أعظم النساء بركة على قومها ، وتوفيت في ربيع الأول سنة 56 هـ وقيل :55 هـ ولها 65 سنة .
9 - أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان – رضي الله عنهما : كانت تحت عبيد الله بن جحش فولدت له حبيبة فكنيت بها ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، فتنصر عبيد الله ، وتوفي مرتداً ، وثبتت هي على الإسلام ، فلما بعث رسول الله
عمرو بن أميه الضمري بكتابه إلى النجاشي أمره أن يزوجها النبي
فزوجها به النجاشي ، وأصدقها من عنده أربعمائة دينار ، وبعثها مع شرحبيل بن حسنة ، فابتنى بها رسول الله
بعد رجوعه من خيبر في صفر أو ربيع الأول سنة 7هـ توفيت سنة 42هـ أو 44هـ أو 50 هـ .
10 - أم المؤمنين صفية بن حيي بن أخطب – رضي الله عنها : هي بنت سيد بني النضير ، من بني إسرائيل ، من سلالة هارون عليه السلام ، سبيت في خيبر ، فاصطفاها رسول الله
لنفسه ، وعرض عليها الإسلام فأسلمت ، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7هـ وابنتي بها بسد الصبهاء على بعد 12 ميلاً من خيبر في طريقه إلى المدينة . توفيت سنة 50هـ وقيل : 52هـ وقيل 36هـ ودفنت بالبقيع .
11 - أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية – رضي الله عنها : هي أخت أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية زوج العباس – رضي الله عنهما – تزوجها رسول الله
في ذي القعدة سنة 7هـ في عمرة القضاء بعد أن حل منها ، وابنتي بها بسرف على بعد تسعة أميال من مكة ، وقد توفيت بسرف سنة 61هـ ، وقيل : 63هـ وقيل 38هـ ودفنت هناك ، ولا يزال موضع قبرها معروفاً . فهذه إحدى عشرة امرأة هن أمهات المؤمنين وأزواج رسول الله
بالاتفاق ، واختلف في امرأة واحدة وهي ريحانة بنت زيد ، أنها كانت من أزواجه
أو من سراريه ، وهي من بني النضير ، وكانت عند رجل من بني قريظة ، فوقعت في غزوة بني قريظة في السبايا ، فاصطفاها النبي
لنفسه ، فيقال : إنه أعتقها وتزوجها في المحرم سنة 6هـ فهي من أمهات المؤمنين ، ويقال : إنه
لم يعتقها ، بل كان يأتيها بملك اليمين ، فهي من سراريه ، توفيت مرجعه
– من حجة الوداع ، فدفنها بالبقيع . وكانت له
سوى هؤلاء النسوة سرية واحدة ، وهي مارية القبطية ، وأهداها له المقوقس في جملة ما أهداه حينما رد على كتابه
، وكانت من بنات الملوك ، فخصها النبي
لنفسه ، وقد ولدت له إبراهيم ، توفيت سنة 16هـ ويقال : في المحرم سنة 15هـ ودفنت بالبقيع.
من خديجة إلا إبراهيم . وهم : 1- القاسم : وهو أكبر ولد رسول الله
، وبه كان يكنى ، وعاش حتى مشى ، ثم توفي وهو نحو سنتين . 2- زينب : وهي أكبر بناته
، أصيبت في الله ، فقال
تلك أفضل بناتي . ولدت بعد القاسم ، وتزوجها أبو العاص بن الربيع ، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد ، ولدت زينب ابناً اسمه علي ، وبنتاً اسمها أمامه ، وهي التي كان رسول الله
يحملها في الصلاة ، توفيت زينب في أوائل سنة ثمان بالمدينة . 3- رقية : تزوجها عثمان بن عفان t فولدت له ابناً اسمه عبدالله ، وقد بلغ ست سنين ، ثم نقره ديك في عينه فمات ، ماتت رقية ورسول الله
في بدر ، وجاء زيد بن حارثة بشيراً إلى المدينة ، فوجدهم قد سووا التراب علة قبرها . 4- أم كلثوم : زوجها رسول الله
عثمان بن عفان t بعد وفاة رقية مرجعه من بدر ، ولم تلد له شيئاً ، توفيت في شعبان سنة 6هـ ودفنت بالبقيع . 5 فاطمة : وهي أصغر بناته
، وأحبهن إليه ، وهي سيدة نساء أهل الجنة ، وتزوجها علي بن أبي طالب t بعد بدر ، فولدت له ابنين : حسناً وحسيناً ، وبنتين : زينب وأم كلثوم ، وأم كلثوم هذه تزوجها عمر بن الخطاب t فولدت له زيداً . ثم مات عنها فتزوجها عون بن عمها جعفر ، وتوفي عون فتزوجها أخوه محمد ، وتوفي محمد فتزوجها أخوه عبدالله ، ثم ماتت وهي عنده ، وتوفيت فاطمة – رضي الله عنها – بعد النبي
بستة أشهر . [ هؤلاء الخمسة المذكورين من أولاده
ولدوا قبل أن يكرمه الله بالنبوة والرسالة 6 عبدالله : يقال إنه ولد في الإسلام ، ويقال : بل قبل ذلك ، وتوفي وهو صغير ، وكان آخر أولاد النبي
من خديجة . 7- إبراهيم : ولد بالمدينة من سريته r مارية القبطية ، في جمادي الأولى أو جمادي الآخرة سنة 9هـ وتوفي 29 شوال سنة 10هـ يوم كسفت الشمس بالمدينة وهو رضيع ، ابن ستة عشراً أو ثمانية عشر شهراً ، ودفن بالبقيع ، وقد قال r : " إن له مرضعاً يتم رضاعه في الجنة ".
يمتاز بجمال الخلق وكمال الأخلاق ،وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة وجليلة ، نلخص هنا معانيها ومغزاها بالإيجاز .
الوجه وما بالوجه :
كانوجه رسول الله
أبيض مليحاً ، مستديراً ، أزهر اللون ، مشرباً بالحمرة ، يتلألؤ تلألؤ القمر ليلة القدر ، وكان إذا سر وجهه كأنه قطعة قمر ، وتبرق أساريره كما يبرق السحاب المتهلل ، كأن الشمس تجري فيه ، بل لو رأيته رأيت الشمس طالعة ، أما عرقه في وجهه فكأنه اللؤلؤ ، ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر ، وإذا غضب احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان . وكان سهل الخدين ، واسع الجبين ، متقوس الحاجبين ، سابغهما مع الدقة ، غير مقترنين ، وقيل كان مقرون الحاجبين ، واسع العنين ، مشرباً بياضهما بحمرة ، مع شدة سواد الحدقة ، أهدب الأشفار ، أي كثير شعر الأجفان مع طوله ، إذا نظرت قلت : أكحل العينين ، وليس بأكحل وكان أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسه من لم يتأمله أشم ، تام الأذنين ، حسن الفم وكبيره ، أفلج الثنيتين ، منفصل الأسنان ، براق الثنايا ، إذا تبسم تبدو أسنانه كأنها حب الغمام ، وكان فيها شنب ، أي نوع من اللمعان ، فإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، وكان من أحسن لناس ثغراً . وكانت لحيته حسنة كثة ، ممتلئة من الصدغ إلى الصدغ ، تملأ النحر ، شديدة السواد ، وكان في الصدغين والعنفقة شئ من البياض ، شعرات معدودة فقط .
وكان ضخم الهامة ، كبير الرأس ، طويل العنق ، كأنه إبريق فضة ، أو جيد دمية ، وله وفرة تبلغ إلى أنصاف الأذنين ، أو شحمتي الأذنين ، وربما أسفل من ذلك ، وربما تضرب المنكبين ، وكان في شعر ناصيته أيضاً بعض البياض ، ولكن قليلاً جداً بحيث لم يبلغ مجموع ما في رأسه ولحيته من البياض عشرين شعرة ، وكان في رأسه شئ من الجعودة ، أي التواء خفيف ، وكان يرجل رأسه ولحيته غبَّا ، ويفرق من وسط الرأس .
وكان عظيم رؤوس العظام ، كالمرفقين والكتفين والركبتين ، طويل الزندين ، عظيم الساعدين ، رحب الكفين والقدمين ، ليس لهما أخمص ، ناعم اليدين ، فقد كانتا ألين من الحرير والديباج ، وأبرد من الثلج ، وأطيب من رائحة المسك ، وكان ضخم العضدين والذارعين والأسافل ، خفيف العقبين والساقين ، بعيد ما بين المنكبين ، سائل الأطراف ، عريض الصدر ، أجرد عن الشعر ، فكان من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب ، ولم يكن في بطنه ولا صدره شعر غيره ، وكان أشعر الذراعين والمنكبين ، سواء البطن والصدر ، في إبطيه عفرة ، أما ظهره فكأنه سبيكة فضة .
وكان حسن القد ، معتدل القامة ، سبط القصب ، ولا قصيراً متردداً ، ولا طويلاً بائنا ، ولكن كان أقرب إلى الطول ، فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله هو
، وكان معتدل الجسد ، متماسك البدن ، لا سميناً بدناً ولا هزيلاً ناحلاً ، بل غصناً بل غصنين . فهو أنظر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قداً . طيب رائحته
وكان لجسده وعرقه وأعضائه
ريح أطيب من كل طيب ، قال أنس t : ما شممت عنبراً قط ، ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله
وقال ، جابر : لم يكن النبي
يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، من طيبه ، وكان يصافح الرجل فيظل يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها ، وحفظت أم سليم عرقه في قارورة لتجعله في طيبها ، لأنه أطيب الطيب .
سريع المشي ، يمشي مشي السوقي ، ليس بالعاجز ولا الكسلان ، لم يكن يلحقه أحد ، قال أبو هريرة : ما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله
، كأنما الأرض تطوي له ، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث . وكان إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ، ليس لها أخمص ، وإذا التفت التفت جميعاً ، فإذا أقبل أقبل جميعاً ، وإذا أدبر أدبر جميعاً ، وإذا زال زال قلعاً ، فإذا مشى كأنه ينحط من صبب ، أي ينحدر من مكان مرتفع ، وكان يخطو تكفئاً ويمشي هوناً . الصوت والكلام : وكان في صوته
بحة يسيرة ، وكان حلو المنطق وقوراً ، فإذا صمت علاه الوقار ، وإذا تكلم علاه البهاء ، أما نطقه فكان كخزرات نظمن يتحدرن ، وكان يفتتح الكلام ويختمه بأطرافه ، ويتكلم بكلام فصل ، لا فضول فيه لا تقصير ، يتبين كل حرف منه ، وكان فصيحاً بليغاً ، سلس الطبع ، ناصع الكلمات ، لا يجاريه أحد مهما كان فصيحاً أو بليغاً ، وكان قد أوتي جوامع الكلم مع الحكمة وفصل الخطاب .
دائم البشر سهل الخلق ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، وكان أكثر الناس تبسماً ، وأبعد الناس غضباً ، وأسرعهم رضاء ، يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً ، فإذا كان إثماً وكان أبعد الناس منه ، لم ينتقم لنفسه قط ، وإنما كان ينتقم لله إذا انتهكت محارمه . وكان أجود الناس وأكرمهم وأشجعهم وأجلدهم ، وأصبرهم على الأذى ، وأوقرهم ،وأشدهم حياء ، إذا كره شيئاً عرف في وجهه ، ولم يكن يثبت نظره في وجه أحد ، ولا يواجه أحداً بمكروه . وكان أعدل الناس ، وأعفهم ، وأصدقهم لهجة ، وأعظمهم أمانة ، سمي بالأمين قبل النبوة ، وكان أشد الناس تواضعاً وأبعدهم عن الكبر ، وأوفى الناس بالعهود ، وأوصلهم للرحم ، وأعظمهم شفقة ورحمة ، وأحسنهم عشرة وأدباً ، وأبسطهم خلقاً ، وأبعدهم عن الفحش والتفحش ، واللعن ، يشهد الجنائز ، ويجالس الفقراء والمساكين ، ويجيب دعوة العبيد ، ولا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، يخدم من خدمه ، ولم يعاتب خادمه ، حتى لم يقل له أف قط . هذا ، ولا يمكن إحاطة أوصافه
بالبيان ، فنكتفي بهذا القدر القليل ، سائلين الله – سبحانه وتعالى – أن يتقبل منا هذه البضاعة المزجاة ، ويوفقنا لا تباع سيبل سيد المرسلين وإمام الأنبياء والمتقين محمد خير الخليقة أجمعين . اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة المكرمين ، واجعلنا تحت لوائه يوم الدين . آمين يارب العالمين .
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.